أ.د.عثمان بن صالح العامر
بحكم تواجدي في وسط المجتمع الأكاديمي منذ زمن ليس بالقصير، وقربي من طلاب الدراسات العليا تدريساً وإشرافاً ومناقشةً ومشورةً ومدارسةً وتوجيهاً وإرشاداً، فضلاً عن تحكيمي أبحاث الترقية لعدد من أبحاث أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا السعودية، فإنني مثل غيري - كل في تخصصه العلمي- يمر عليّ الغث - من الأبحاث والرسائل - والسمين، الجيد والرديء، المتميز جداً والذي تتراقص فرحاً حين تعيش معه، والسيء الذي تعجب كيف أقر الموضوع أصلاً من قبل القسم المختص لينال به الباحث درجة الدكتوراه!. وحديثي في هذا المقال ينصب على المتميز في بابه الذي أمضى الباحث أو الباحثة سنوات عزيزة من عمره لا تقل عن أربع وربما وصلت الست سنوات وهو يمضي الساعات الطوال عاكفاً على أوراقه، معتكفاً في محرابه العلمي ليخرج لنا سفراً علمياً متميزاً بحق، والذي للأسف الشديد غالباً تقتصر الاستفادة منه وتنحصر في الباحثين أمثاله الذين لديهم رسائل قريبة من موضوعه، أو بحث ترقية مشابه، أو أننا في حضرة أكاديمي متخصص عاشق للجديد ومتابع للماتع الفريد، وإلا فمصير هذا السفر وأمثاله كثير النسيان.
لقد كانت لجان المناقشة في الجامعات السعودية الأم توصي أحياناً بطباعة الرسائل المتميزة التي تستحق النشر، وتهم شريحة عريضة في المجتمع، بل إن بعض هذه الجامعات كانت هي من يقوم بطباعة الرسائل المتميزة، ولكن للأسف الشديد انتهى هذا الأمر فلا يوصى بذلك اليوم، وربما كان من بين الأسباب (غياب المعيارية الدقيقة حيال ما يستحق التوصية بالنشر، ودخول المجاملة في هذا).
أياً كان الأمر فإن ما أردت لفت الأنظار إليه في هذا المقال إلى: أن لدينا كنزاً معرفياص رصيناً، حقه أن يرى النور بالطباعة والنشر، بل حتى الترجمة من العربية للغات الحية خاصة الإنجليزية، كما أن لمبتعثينا في العالم أجمع أبحاثهم التي نشرت في أفضل المجلات العلمية المحكمة، ورسائلهم التي نوقشت في أعرق الجامعات العالمية وحق هذا الكم العلمي المنجز بعقلٍ سعودي متميز أن تنبري له لجنة علمية متخصصة تتكون من أكاديميين مبرزين، ومستشارين عالميين تدرس وتفحص ومن ثم تختار وتنشر باسم وزارة الثقافة، هيئة الأدب والنشر والترجمة، ويكون معرض الرياض الدولي للكتاب هو المنبر الذي يسوق للمعرفة السعودية ويبرهن على أن العقل السعودي منجز ومتبحر وفعال في جميع المجالات الحضارية والإنسانية، خلاف ما يظن بنا أننا عالة على غيرنا، وأن غاية ما نستطيع الوصول إليه ونكتبه ما كان خارج سياق الزمن الحضاري، ولا يرجى منه فاعلية وأثر على التثاقف العالمي و الفاعلية النهضوية، ولا يصب في مصلحة الإنسانية أجمع، سواء أكان ذلك في المجالات الثقافية التخصصية، أو العلوم الإنسانية الصرفة التي هي في نظري الأس الذي تقوم عليه وتتكئ بقية المعارف، والمحور الذي يميز أمة عن أخرى، ووطن عن غيره، هذا إذا كان الحديث عن أي وطن فكيف إذا كان الوطن محل الإشادة والاعتزاز المملكة العربية السعودية التي اختصت بما لا يمكن أن ينال شرف الاختصاص به غيرها.
دفعني إلى البوح بهذا الهاجس الذي يعاودني من وقت لآخر ما عرفته عن معالي وزير الثقافة صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود من ترحيب دائم بكل ما من شأنه المشاركة الفاعلة في تسويق المنتج الفكري والعلمي السعودي الرصين حتى يؤسس من خلال هذا المشروع المنتظر لمبادرة نوعية طموحة عنوانها (فكرة سعودية) في المجال المعنوي الذهني، على غرار (صناعة سعودية) في القطاع الصناعي المادي، ودمت عزيزاً يا وطني،، وإلى لقاء والسلام.