حسن اليمني
عجائب معاملات الحياة لا تنقضي، وتهافت قوة المنطق أمام ذكاء أو خُبث الإنسان كذلك لا تنقضي، وصدّق أن منتجا سعوديا يباع في بلد الإنتاج بعشرة ريالات مقابل ثلاثة ريالات في بلد المستورد، ومنتج مستورد قيمته عشرة ريالات يباع لدينا بثلاثين ريالا.
المستهلك سواء كان سعوديا أو وافدا يجد وفرة السلع وتنوعها بحمدالله ومنته، فنحن بلد مفتوح للاستيراد برغم توفر الإنتاج المحلي لكثير من السلع إلا أن السوق المفتوح ومساحة الحرية التجارية وانفتاحها على جميع أسواق العالم تعطي تنوعا واسعا جدا للمستهلك دون تفرقة بين منتج محلي أو مستورد، المنطق المدهش أن المنتج المستورد في كثير من السلع أرخص وأقل تكلفة من المنتج المحلي وتزول الدهشة حين تعلم أن المنتج المحلي المصدر يظهر في بلد المستورد أقل تكلفة من بلد الإنتاج وتكاد لا تجد أي نظرية أو قاعدة تجارية يمكن أن تفسر لك هذا المنطق الأعوج.
هناك ثلاثة أمور تستحق التأمل والفحص في هذه الاخطبوط المعقد، الاحتكار، هامش الربح، السعودي (سواء كان مواطنا أو وافدا - وكنت أرغب في اختصاره بالمستفيد لكن تبيّن لي أن إطلاق وصف المستفيد للمستهلك هي الأخرى غير منطقية - لذا أبعدت وصف المستفيد والمستهلك واخترت السعودي ليشمل كلا من يتعامل مع سوقنا السعودي من الداخل) أعود لأقول إن الاحتكار وهامش الربح والسعودي ثلاث نقاط تستحق الفحص والبحث، ليس من قبل ما يسمى حماية المستهلك أو حتى وزارة التجارة فهاتان الجهتان تعطيان النصائح والتوجيهات والإرشادات الإعلامية لتوعية المستهلك وتسمح له بحماية نفسه من خلال أجهزة أنشأتها لتلقي الشكاوى ومظالم الاجحاف في النشاط التجاري، وهي تقوم بعملها بشكل جيد، لكن الاحتكار وهامش الريح وحتى السعودي هم أولئك المحتاجون فعلا للبحث والفحص والتأمل.
* الاحتكار لم يعد مشكلة في حقيقة الأمر فقد أصبح بإمكان الفرد استيراد ما يحتاجه من الخارج بفعل منظمة التجارة العالمية ومن قبلها التسهيل المقدم من وزارة التجارة للأفراد في المملكة، تستطيع أن تستورد أثاثك وسيارتك وحاجاتك بشكل مباشر من المصدر أو من خلال ممثل تجاري مسجل لدى وزارة التجارة لحفظ حقوقك، لكن النسبة الغالية من «السعودي» ما زالت تستشعر الأمان في المتوافر المعروض في السوق حتى مع تحمّل زيادة التكلفة، فمثلا تكلفة سيارة يابانية ثلاثمائة وخمسون ألف ريال شاملا للجمرك والضريبة يباع في السوق المحلي بسبعمائة ألف ريال و»السعودي» يشتري، وإذا كان الأمر يبدو غير منطقي، إذ تزيل الحكومة عن المستهلك كلفة الاحتكار من خلال إتاحة حرية الاستيراد المباشر إلا أن شعور الطمأنينة والأمان لدى المستهلك يأخذه إلى تكلفة الاحتكار الأعلى، حتى وصل الأمر إلى مرحلة حجز السلعة وانتظارها أشهر مع دفع نصف قيمتها مقدم، في حين ما يتوافر من هذه السلع لدى الوكيل يحول إلى تجار التجزئة أو الأنشطة الرديفة لتسهيل حركة التوريد لدى الوكيل أو ما كان يوصف بـ»المحتكر» وتاجر التجزئة أو النشاط الرديف الذي يأخذ السيارة من الوكيل بسعر أقل من الفرد ثم يبيعها على ذات الفرد بسعر أعلى من سعرها لدى الوكيل الذي يريد تصريف بضاعته اولاً بأول دون انتظار الزبون الفرد، لتبقى العملية برمتها اخطبوط متاهة معقدا يحتاج إلى إعادة تفكيك وتنظيم.
* المبالغة في هامش الربح وبما يخالف منطق التجارة والاستثمار الناجح، إذ يعتمد الاستثمار الناجح في التضحية بهامش من الربح كتكلفة تسويق تشجع على زيادة المبيعات بعملية توسيع الانتشار والاستحواذ على أكبر مساحة من الزبائن، الذي يحدث في أسواقنا أن السلعة تُسَعّر من قبل التاجر بحساب التكلفة وإضافة نسبة ربح مبالغ فيها تصل أحياناً إلى ليس مائة بالمائة من قيمة التكلفة بل ثلاثة أضعاف أو حتى أربعة أضعاف والعجب في هذا اللا منطقي أن ذلك صار دافعا للطلب أكثر ليس لجودة فوق العادة أو حاجة وضرورة لا بديل عنها ولكن لأنها تعطي (تميّزا أو ما يسمونه برستيجا) فصارت هذه العملية أو النظرية أو الفلسفة أو الجنون والغباء (ضخامة السعر) هو من مظاهر التميّز للـسعودي وبالطبع المترفين ماليا في السعودية من المواطنين والوافدين كثير أو نسبة كبيرة مقارنة بما حولها ما أنتج ما اسميه (كُلفة التميّز) ومثال على ذلك لتر لبن منتج وطني يباع في السوق المحلي بثمانية ريالات ويباع في سوق خارجي بثلاثة ريالات ونصف الريال رغم تكلفة النقل، وربما يقف شعر رأسك تفتش في خلايا مخك عن السر في ذلك فلا تجد اكثر من أنه ليس إلا فائض إنتاج عن السوق المحلي وبدلا من تحويله إلى مشتقات صناعية أو هدّره كمخلفات إنتاج يتم تصديره للخارج كفائض خارج التكلفة ودرءا عن تخفيض قيمته للسوق المحلي، وكأنها عملية تحميل جيب المستهلك المحلي قيمة الفائض عن الحاجة لتحقيق الحفاظ على مخزون الإنتاج وإشهار العلامة التجارية في الخارج.
«السعودي» أو المستهلك المحلي يميل لممارسة التسوق الطبيعي المعتاد في كل أنحاء العالم وكل الناس أو أغلبهم الغالب، فهو مثلا لن يستورد منتجا محليا من الخارج وهو معروض أمامه، صحيح أن سعره مبالغ فيه ولكن خطورة ومتاعب الاستيراد وكما سبق وقلت شعور الطمأنينة والأمان تجعله يدفع وهو متذمر ولكن لا بد أن يظهر ابتسامة لزوم تميّز الـسعودي وإن كان يدرك سخافة الأمر فهو يدرك أيضا أن ليس بيده حيلة.
من المسئول؟ هل هي وزارة التجارة أم حماية المستهلك أو سياسة السوق المفتوحة أم ثقافة وطبيعة المجتمع أو أم إلى ما لا نهاية له.