د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعد صناعة التعدين واحدة من أهم الصناعات الاستراتيجية، وتكمن أهمية هذه الصناعة في دورها في توفير المواد الأولية والمواد الخام المختلفة التي تعد عنصراً جوهرياً وحاسماً خاصة في قطاع الصناعة وقدرته على امتلاك الميزة النسبية التي تميزه عن غيره من صناعات عالمية.
وقد لعب قطاع صناعة تعدين المعادن دوراً في إعادة إدماج لألمانيا في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان في ذلك الوقت تأتي صناعة الصلب على رأس أولويات صناعة التعدين، وهو فرع من فروع الاقتصاد الذي ينتمي إلى الصناعة الثقيلة، والتي تحولت من معامل صغيرة إلى مصانع الحديد الكبيرة كجزء من الثورة الصناعية بسبب التقدم التقني وتطبيق التقنيات الجديدة.
أتت الصناعة والتعدين في السعودية مواتية لمرحلة التصحيح الشامل بأهداف واستراتيجيات وفق رؤية 2030 باعتبار قطاع الصناعة والتعدين أحد أهم روافد الإيرادات غير النفطية من أجل أن يلعب التعدين دوراً محورياً في الاقتصاد السعودي باعتباره الركيزة الثالثة للصناعة إلى جانب صناعتي النفط والبتروكيماويات، وكان اهتمام السعودية بمستقبل الصناعة والتعدين للتحول إلى مركز إقليمي للتصنيع فقد استضافت السعودية أثناء قيادتها لمجموعة العشرين في 2020 مؤتمر قمة مستقبل المعادن الدولي التي تؤكد على طموح السعودية للنهوض بقطاع التعدين والتصنيع، كما عقد مؤتمر التعدين الدولي في الرياض خلال الفترة من 11-13 يناير 2022 الذي نجح في إبراز دور قطاع التعدين السعودي على المستويين الإقليمي والدولي.
لم تتوقف السعودية عند استضافة هذه المؤتمرات، فقد سبقها أن تمت الموافقة على الاستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات التعدينية الرامية إلى تحقيق مستهدفات الرؤية، وفي 2020 وافق مجلس الوزراء على نظام الاستثمار التعديني الجديد لتنظيم البيئة الاستثمارية في مجال التعدين من أجل إنشاء صناعة تعدين متكاملة نهائية، خصوصاً وأن قطاع التعدين العالمي يتسم بالتحديات كما يتسم بالفرص الكبرى، وتأتي السعودية ضمن المناطق المهمة في التعدين وعلى رأسها أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الإسهام في توفير المعادن استجابة للطلب العالمي.
لكن السعودية هذه المرة لن تساهم فقط في توفير المواد الخام بل أيضاً تتجه نحو التصنيع النهائي مستثمرة عدداً من الفرص والإمكانيات التي تؤهلها للتحول إلى مركز صناعي إقليمي وعالمي، خصوصاً وأن هناك إجماعاً في تلك المؤتمرات بشأن أهمية المعادن للمجتمعات والاقتصادات المستقبلية، حيث تتمتع السعودية بقدرات كبيرة في قطاع التعدين، وبأنها تمتلك العديد من المقومات للتميز في هذا القطاع لتصبح مركزاً لشركات خدمات التعدين ومقراً إقليمياً لشركات التعدين لكونها تتوسط منطقة تعدينية مهمة من العالم.
هدفت السعودية إلى إقامة هذه المؤتمرات التي انبثقت من استراتيجية السعودية للتعدين والصناعات التعدينية، لتكون محفزاً للاستثمار في القطاع بشكل سريع، خاصة في ظل ازدياد الطلب على المعادن في العالم في الوقت الحاضر بدافع من التوجهات الصناعية الحديثة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وما إلى ذلك من صناعات تعتمد على كثير من المعادن الاستراتيجية، وستشارك السعودية أيضاً في مؤتمر الاستثمار التعديني في جنوب أفريقيا خلال الفترة من 9 إلى 12 مايو 2022 للترويج لفرص الاستثمار التعديني بالسعودية في أعقاب الإصلاحات التشريعية والتنظيمية والمالية وإصدار نظام الاستثمار التعديني الجديد من أجل تطوير قطاع تعدين مستدام قادر على المنافسة عالمياً من شأنه دعم التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل وتنمية الصناعة على نطاق أوسع.
تستهدف وزارة الصناعة والثروة المعدنية جذب استثمارات بقيمة 32 مليار دولار في قطاع التعدين والمعادن من خلال 9 مشروعات جديدة تهدف إلى دعم تصدير المنتجات المعدنية إلى الأسواق المحلية والعالمية، كما تعمل الوزارة على دراسة 145 طلباً للحصول على تراخيص استكشاف من شركات أجنبية، من بين تلك الاستثمارات مصنع ألواح الصلب تزيد على 4 مليارات دولار، الذي يهدف إلى تزويد بناء السفن في مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية في رأس الخير، ومصنع لمدخلات بطاريات السيارات الكهربائية بقيمة 2 مليار دولار، بالإضافة إلى مشروعات أخرى لإنتاج معادن مثل الألمنيوم وصفائح الصلب ومصفاة النحاس والزنك، وشهد قطاع الألمنيوم والفوسفات استثمارات بقيمة 26 مليار دولار، كان آخرها مشروع الفوسفات3 باستثمارات تبلغ نحو 5 مليارات دولار، وكذلك استثمرت شركة معادن في مصنع الأمونيا في مدينة رأس الخير التي من المتوقع أن يزيد الطلب عليها محلياً بفضل التوجه إلى التصنيع في السعودية.