علاء الدماصي
حين يسقط القدوة.. يسقط المجتمع، وحينما يتفشى الكذب تموت الضمائر، ويهجر الدين الناس حتى لو تورمت أقدامهم من السجود، كونوا آباء قدوة ومعلمين قدوة ورجال دين قدوة، بالفعل قبل القول، فأنتم ركائز المجتمع فإن انهارت ضمائركم ووهنت قيمكم سقط المجتمع، وعقمت نساؤه على إنجاب غير الساقطين.. أردت أن استهل بهذه الكلمات لعلها تهدئ شيئا من روعي لأني أكتبها من فيضان حزني على ما وصل إليه المجتمع من سقوط في القيم وسقوط في الثوابت ومبادئ المجتمع التي كانت سياحا يحمي أفراده من «السقوط» في الزمن الجميل فضلاً عن الازدواجية في المعايير.
أصبحنا نرى أبا يكذب فيتعلم منه ابنه الكذب وقد يورث الكذب لأحفاده ومدرس يتحدث بالألفاظ البذيئة، ولا يقوم بدوره المخول له كمربي أجيال، وشيخ يتحدث بخلاف ما يفعل ويعظ بما لا يفعل، ويعد الدين وسيلة وليس غاية، وطبيب يستغل المرضى ويخون شرف مهنته، وإعلامي يتاجر بالكلمة ويكيل بمكاليين.
لست أعني بهذا تشويه تلك المهن العظيمة أو التعميم، فكل مهنة بها العظماء والدخلاء، فهناك نماذج مشرفة في كل مهنة، وإنما أردت أن ألقى الضوء على النماذج السبيلة التي تعد عبئا على كاهل مجتمعنا لأنها تورث الفساد بكافة أنواعه الأخلاقي والاجتماعي والقيمي والفكري، وتلوث القوى الناعمة منها عقول الأجيال لأن استراتيجية بناء العقول ونشر الوعى أقوى بالاقتداء عن التلقين.
ولقد خص الله أمة الإسلام بخيريتها على الأمم فقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران: 110)، كما خصها بوسطيتها بين الأمم حيث قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} (البقرة: 143)، وفي جعل الرسول هو خاتم الأنبياء وجعل الإسلام خاتم الديانات ما يؤكد تمام كمال الرسالة المحمدية وأنها حوت ما تضمنته الرسالات السابقة، وفي هذا ما لا يخفى من دعوة غير المسلمين لمحاكاة هذه الأمة الخاتمة الراشدة وجعلها قدوة، واتباع هذا النبي الخاتم واتخاذه أسوة كما ورد في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).
إن الهيبة لم تأت من القوى والجبروت، ولا الظلم، الهيبة تأتي من حب العدل والانتماء للأهل، وأن تكون سندا لأهلك وتعمل بحب لصالح عائلتك وتحمي الضعيف وإن ضعفت شوكته وتحجم الظالم وإن زادت قوته، وأن تنصر الحق لأنك تعلم أنه حق، وتحارب الباطل لأنك تعلم أنه باطل، الهيبة تأتي من كل معاني النخوة والرجولة وإحترام الكلمة.
القدوة الحسنة ظاهرة يجب أن ننمي وجودها في المجتمع سواء على المستوى الأسرى والعائلي والعلمي والعملي لأنها تصدر مكارم الأخلاق بين الأفراد وبعضهم، كالآباء لأبنائهم والمدرسين للتلاميذ، تكون أيضا بين المجتمعات، والشعوب والأمم، وتعد بمثابة سياج يحمي المنظومة الاجتماعية.
ففي النطاق المجتمعي القدوة هو شخص نحكتم إليه في معظم الأمور الخلافية لكونه شخص «موزون» وعادل وحاسم في أقواله وأفعاله ورصين في حديثه، وفي بعض الأحيان هو الضوء الذي من خلاله الناس حقيقة، فماذا إذا سقط هذا الضوء وأصبح ظلاما وقاده الكذب والضلال لإشباع أهوائه؟.. فماذا لو سقطت القدوة؟
أترك لكم الإجابة..