د.سماح ضاوي العصيمي
اجتذاب فكر الشعوب وتوجيهها لمنطقة أو مسائل معينة من أقدم ما استخدمه القادة وبعض الساسة في تحقيق بعض الإستراتيجيات الداخلية والخارجية، ويكون الدليل المرجعي غالبًا الاستعانة بالتأثير الإعلامي سواء إذاعة وتلفزيونًا وصحافة وحتى في إخراج الأفلام سينمائية، فقد مارست بعض القنوات الإخبارية والإعلامية مهمة الدليل المرجعي كتأثير مباشر على سيكولوجية الشعوب بكل جدارة، ونجحت في كثير من المهمات بتوجيه اهتمامها لمناطق نزاع دون أخرى، وتسفيه أحداث وتضخيم بعضها، وفقًا للخارطة المعمول بها أو الهدف الذي أُنشئت من أجله هذه القناة أو الدليل، حتى أنه قلمَّا نجد قناة إخبارية أو وسيلة إعلامية عالمية محايدة في نقل الأحداث دون تسييس مسبق أو تحيز قائم.
وها نحن نعايش حاضرًا تحولات الاستحكام التقني وضراوته على أسلوب حياة المجتمعات العالمية، فانتقلت ثقافة التوجيه الجماهيري إلى توجيه تقني، حيث شبه تقهقرت الوسائل التقليدية وأصبحت وسائل التقنية بمختلف مكوناتها تمارس التأثير وفق بوصلة موجهة بتفاعل فكري منقطع النظير وتتلون الموجة التقنية بتلون المرحلة وتنوع أهدافها ومجالاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى المجال الديني للشعوب، ولعل الذاكرة حليفة لنا في تحيز الوسائل التقنية المتخصصة بأخبار الأمم في نقل صور واقعية وتغطيتها بحيادية شبه منعدمة، فنشط التفاعل والتوجيه ولفت الرقاب في مناطق ثورية بتفاصيلها وتعظيم أحداثها وإن كانت جانبية وأقرب لها الانطفاء من الاستمرار، في حين مناطق تغلي على صفيح ساخن تغطيتها على استحياء إن لم يتم تهميشها من الأساس.
وبمثال حي في الأحداث الأخيرة في مناطق النزاع واجه العالم اضطرابات إمداد وخلل توازنات سياسية واقتصادية، أيضًا يواجه الصحفي الميداني اضطرابات ويدرك تمام الإدراك أنه في رحم مخاض أخطار متعددة في نقله الحي للأحداث وبمهمة أشبه بعملية إنزال خاص قد لا يعود منه، وطالما تواردت الأخبار العالمية بخسارة صحفيين ميدانيين آخرها فقدان المراسلة الميدانية لقناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في الاجتياح الأخير لجنين، واستثمار القناة وحساباتها التقنية بتوجيه الحدث وتضخيمه واستغلاله سياسيًا ببعد يفتقر للإنسانية والمهنية الإعلامية من بين أحداث قائمة استشهد فيها ضباط وجنود بجناية الإرهاب الدولي وعصيان ثوري لجياع مسحوقين واضطهادات مستمرة في أقاليم؛ هو ذاته ما يوسم بـ (الاستحكام التقني لثقافة الجماهير وتوجيهها).
فالمجتمعات التي لا تدرك التوجيه الناعم لوسائل التقنية للأحداث البعيدة والقريبة ومحاولاتها للتجييش والأدلجة والتملك الفكري والتأثير عليه، هي سمة المجتمعات الساذجة ذات التطلع المتدني للتنمية والتطوير وتفتقر لأدنى معايير الكياسة والفطنة، بمقابل ذلك الشعوب القارئة لبعض الإستراتيجيات التقنية ذات المحتوى الموجه هي شعوب حضارية وتنتقي لثقافتها ما يصلح لها وذات ساعد تنموي صلب وطموح يتوارث من جيل إلى جيل.