مشعل الحارثي
فجعنا هنا في المملكة العربية السعودية كما فجعت دولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي والإسلامي وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره برحيل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أبو الإمارات الثاني وأمين الإرث الكبير للشيخ زايد، وقائد مرحلة التمكين صاحب الحكمة والتروي وحسن القيادة والدراية والتنظيم والروح الطيبة الكريمة والنفس الرحيمة وحب الخير الذي سطر من خلال تجربته الثرية بصمات واضحة في مسيرة دولة الإمارات وإنجازاتها فترة حكمه وما قبلها واستكمال بناء الدولة وترك الأثر الطيب والملموس في خدمة بلاده وشعبه وخدمة الإنسانية في كل مكان.
نتذكر اليوم فقيد الإمارات والأمة العربية الشيخ خليفة بن زايد - رحمه الله- الذي عمل بصمت وهدوء تام ونتذكر معه مسيرته الخالدة على مدى أكثر من (17) عاماً من حكم دولة الإمارات العربية المتحدة وما تحقق لها من منجزات مهمة ومؤثرة ستبقى على مدى الأجيال لسان صدق وشاهد إنجاز تشير لدوره الكبير في اهتمامه وحرصه بإثراء حياة شعب الإمارات بالخير والنماء والأمن والاستقرار والنهضة والرخاء وتأسيس النموذج العالمي للحياة الذي انفردت به دولة الإمارات في التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والتطبيق العملي لثقافة التسامح والاعتدال والتعايش فأصبحت وجهة وقبلة لدول العالم.
وقد سبق هذه المرحلة المشرقة في حياة ومسيرة سموه الشيخ خليفة بن زايد ومسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة أن تقلَّد العديد من المناصب القيادية في عهد والده المؤسس بدءاً من أول منصب رسمي يتولاه وهو في الثامنة عشرة من عمره ممثلاً لحاكم إمارة أبوظبي في المنطقة الشرقية إيذاناً بدخوله معترك الحياة السياسة والعملية ثم تعيينه ولياً لعهد أبوظبي، ثم قيامه بإعادة تنظيم الجهاز الحكومي في إمارة أبوظبي وتعيينه رئيساً لمجلس وزراء أبوظبي ووزيراً للدفاع والمالية، ثم توليه منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية الثانية، وبعد قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة تم تعيينه نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة وما تحقق على يديه في هذه المرحلة من تطوير كبير للقوات المسلحة وبناء الكليات والمعاهد العسكرية وإعداد الكوادر الإماراتية المدربة، ثم توليه رئاسة جهاز أبوظبي للاستثمار الذي يشرف على تنفيذ السياسة الاستثمارية الخارجية لإمارة أبوظبي وإدارة أموالها ومشاريعها المختلفة، إلى تولى سموه عدد من المجالس والمؤسسات الاقتصادية المهمة مثل المجلس الأعلى للبترول الذي يشرف على رسم وتنفيذ السياسة النفطية للإمارات العربية المتحدة، ورئاسة سموه مجلس إدارة صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي المختص بتقديم القروض والمساعدات لجميع الدول العربية والصديقة.
وفي يوم رحل الشيخ خليفة بن زايد أيضا نتذكر مواقفه المشرفة مع أشقائه في المملكة العربية السعودية ودعم أواصر المحبة والأخوة والتعاون التي تربطهما منذ أمد بعيد وأثمرت في المزيد من الرخاء الاقتصادي والأمني للبلدين الشقيقين وتأكيد مصيرهما الواحد وهدفهما الواحد في مواجهة كل ما يحيط بهما من أخطار وتحديات، وتطور هذه العلاقات المتميزة مع الزمن وترجمتها في الشراكة الإستراتيجية والتنسيق المستمر وتوافق الرؤى في مختلف القضايا والمستجدات والتطورات.
إلى جانب دوره الكبير في دعم واستمرار منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وإسهاماته الكبيرة ووقفاته المشهودة في التداعيات والهزات التي امتدت للكثير من الدول العربية وحرصه الدائم على تعزيز العمل العربي المشترك.
رحم الله فقيد الإمارات وعوّضنا خيراً في خلفه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي تعلم الشيء الكثير والكثير من مدرسة والده المؤسس الشيخ زايد آل نهيان ومدرسة أخيه الراحل الشيخ خليفة بن زايد المميزتين في الحكمة والأخلاق الرفيعة والإنسانية والتطلع للمستقبل وكان اليد اليمنى واليد القوية لأخيه الشيخ خليفة، ولا نملك إزاء هذا المصاب الجلل إلا أن نرفع لسموه خالص التعزية والمواساة وإلى كافة أسرة آل نهيان وإلى الشيخ محمد بن راشد المكتوم وحكام الإمارات وشعبها الوفي الشقيق مقرونة بصادق أمنياتنا ودعواتنا القلبية للفقيد الكبير بأن ينزله الله منازل الشهداء والصالحين ومرافقة الأنبياء والصالحين بالفردوس الأعلى من الجنة، وأن نرى دولة الإمارات العربية المتحدة دائماً وأبداً في وحدة وثبات وأمن واستقرار وهي تمضي قدماً في قفزاتها التنموية من إنجاز إلى إنجاز ومن نجاح إلى آخر وعلى نهج رموز الإمارات الخالدة الذكر والفعل الشيخ زايد آل نهيان وخليفة بن زايد -رحمهما الله - وقادة وحكام الإمارات.