رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
من مركز الشنانة بالقصيم إلى مكة المكرمة كانت رحلة الحياة للراحل الشيخ الفاضل أ.د. سليمان بن عبدالله السلومي -رحمه الله-. ولد أبو حاتم في عام 1371هـ بالشنانة تلك البلدة التي كان لها طور تاريخي في مرحلة التوحيد للبلاد السعودية.. وهو الابن الأكبر (لمطوع) الشنانة عبدالله سليمان السلومي -رحمه الله - وأمه هي الفاضلة نورة بنت عبدالله صالح العضيب الشارخ (من قبيلة العجمان) - غفر الله لها. درس أبو حاتم في مدرسة الشنانة الابتدائية التي تأسست في عام 1371هـ ثم واصل استكمال دراسته بالمعهد العلمي بالرس وبعد تخرّجه التحق بكلية الشريعة بالرياض.. طموح أبي حاتم وهمته العالية في طلب العلم الشرعي لا يتوقف استأذن والده في الانتقال إلى مكة المكرمة ودرس لنيل درجة الماجستير في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية (التابعة لجامعة الملك عبدالعزيز) قبل افتتاح جامعة أم القرى.. وذلك من خلال قسم الدراسات العليا الشرعية فرع العقيدة والمذاهب الفكرية وجاءت الرسالة تحت عنوان القرامطة وآراؤهم الاعتقادية في عام 1400هـ، أما رسالة الدكتوراه فحملت عنوان أصول الإسماعلية دراسة تحليل نقد وقد طبعت بكتاب حديث.
الراحل سليمان لم ينهل العلم من الجامعات والمكتبات وحسب لكنه خريج مدرسة والده (عبدالله) وهي امتداد لجهود (الجد) سليمان الذي أفنى حياته بالدعوة لله والوعظ والإرشاد.. مدرسة العم عبدالله لم تكن عادية فهي مدرسة حياة دنيا ودين تلك المدرسة التي تأثرت بنهج ابن القيم وفكره.. وقامت على العقيدة الصافية والوسطية.. والتربية المتزنة تلك المدرسة لم يستفد منها الأبناء وحسب.. لكن هي حاملة للمسك من اقترب منها أكرمته واستفاد منها واستمتع بها وحمل معه ذكريات حسنة وزكية تبقى أثراً جميلاً.
أبو حاتم جمع المكارم كلها وأعظمها بر الوالدين فكان و(إخوته) الكرام يعدون الخيام وقت الحج سنوياً في عقود سابقة من الزمان ويخدمون ضيوف والدهم بكل همة عالية.. وأبو حاتم كان نعم الابن الصالح لوالديه قريباً منهما بقلبه وعمله مدخل السرور عليهما خافض الجناح لهما.. ومع الآخرين كان ديدنه التواضع وحسن الأخلاق وكريم السجايا.. لطيف الحديث أنيس المجلس واصل رحمه يسأل عن الصغير والكبير عن أحوالهم ويزور مرضاهم ويواسي مصابهم وليس هذا بغريب فهو سليل شجرة مباركة وأسرة فاضلة.. أبو حاتم رجل لم تبعده حرفي (أ ود) عن لين الجانب وسماحة النفس، فكان ذكره على كل لسان وكأن الشاعر يقصده بقوله:
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل الأنام حبيب
حمل أبو حاتم همّ الدعوة إلى الله إلى جانب عمله عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى فكان -رحمه الله - من المؤسسين للمكتب التعاوني لتوعية الجاليات بالعاصمة المقدسة.. وترأس مهمة إدارته لعقدين من الزمان (تطوعاً) قدَّم ما في وسعه لخدمة شريحة كبيرة حتى أصبح يشار إليه بالبنان.. جهد على حساب وقته وصحته وأسرته.. غايته النبيلة المساهمة بخدمة الإسلام والمسلمين وأبو حاتم كان إلى جانب ذلك له إسهامات في الإفتاء بالمسجد الحرام في أيام محددة وكان له شرف إلقاء محاضرات إسلامية داخل المملكة وخارجها.
كان أول زواج للدكتور سليمان من السيدة الفاضلة أم حاتم (نورة الخليوي) ابنة الخالة إميضي شقيقة والدتنا بمحافظة عفيف قبل ما يقارب خمسة عقود وقد حضرنا زواجه المبارك والذي شهد تناول القهوة في أكثر من منزل من منازل الحي كنوع من التكريم والتقدير (للجنب) الضيوف المرافقين للزوج من الشنانة والرس.. وقفت أم حاتم مساندة لزوجها في مسيرته العلمية والوظيفية.. أتقدم لها بصادق العزاء والمواساة ولأهله الآخرين وإلى أولاده وبناته وأحفاده.. وإلى إخوته وأخواته وأعمامه وإلى أسرة (آل السلومي) بالوطن الغالي.. وإلى كل محبيه وأصدقائه وزملائه.
رحم الله الفقيد الذي رحل عنّا بجسده لكن ذكره باق وسيرته العطرة نبراس.. ورحيل قامة بحجمه, كان له وقع حزين وتفاعل.. فانطلقت الرسائل التي تفيض بالمشاعر وتحمل (نفس) المودة والأسى. وقد جاء في كلمة للدكتور سعيد بن محمد القرني قال فيها:
(توفي اليوم علم من أعلام جامعة أم القرى في التعليم والدعوة هو د. سليمان السلومي أستاذ العقيدة في كلية الدعوة وأصول الدين استعمله الله في دعوة الجاليات مشرفاً على المكتب فأسلم على يديه خلق كثير وقرن ذلك بالإفتاء بالمسجد الحرام..جاورني في العزيزية وكدي فكان خير جارٍ.. رحم الله أبا حاتم رحمة الأبرار فهو من مشكاة توقد من شجرة طيبة أصلاً وفرعاً).
الشاعر خالد المزيني (أبو مهاب) إمام مسجد الجديدة بالشنانة تأثر بفقد أبي حاتم وفاضت منه مشاعر الأسى والحزن عبر عنها من خلال قصيدة (مرثية) جاء فيها:
علمن قريته هزني حيل فحواه
لج الخفوق ولج معه الحنايا
قريت بتويتر نبأ اللي حمدناه
قدام نشهر به هنيا عزانا
على مستوى العالم جهوده مبناه
يا مالبوحاتم بربعه مزايا
تبكيه مكة كلها أدناه وأقصاه
فقيدها من ناس بالخير آية
وتبكي الشنانة ليثها اللي فقدناه
الديرة اللي كل أبوها دهايا
لحظة الوداع للجسد الطاهر فجر يوم الخميس الموافق الرابع من شهر شوال 1443هـ، حيث أديت الصلاة عليه بالمسجد الحرام وووري جثمانه في مقبرة الشهداء بالشرائع بمكة وسط ألسن تلهج بالدعاء له بالمغفرة والرحمة وأن يثبته بالقول الثابت ويسكنه فسيح جناته.
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه وأكرم نزله واجعل ما أصابه كفارةً وطهورا..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
** **
- الرس