د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
الطائف تلك الباسمة بورودها وبرودها، وذلك الفضاء الجميل الذي يشبه أطواق الجُمان حينما تحيط بأعناق الحِسان، وتلك المدينة التي يبلّل العطر رداءها، ويغمر القطر سماءها، وتصحو على قطرات الندى رياضها وحياضها؛ وتلك الربوة العالية التي تعانق الضباب حتى غنّى شاعرها جذلا..
يا طائف من في هواك يلامُ؟!
وتساوقت بقريضك الأعيانُ»
فهي أودية فِيحا تنسابُ بين السهول والسهوب والروابي يغني هزارها وتعبق أزهارها!
وللطائف حضور عريق في ذاكرة الوطن حيث ارتبطت بأنها كانت في عهود مضت مقرا صيفيا للدوائر الحكومية، كما اتخذها الملك المؤسس مصيفا سنويا؛ ولقد حظيت الطائف بعلاقة حميمة بالملك عبدالعزيز طيب الله ثراه فأغدق عليها واصطفاها وجعلها مقرا لنواة جيوشه، وتوفي فيها طيب الله ثراه؛ فكانت محط اهتمام الدولة في ماضيها ومستقبلها، وبقي ارتباط الطائف بالذاكرة السعودية متعددا فكانت مسترادا للأولويات الجميلة، ولن تغفل الذاكرة عن الرحلات العلمية التي توالت من أرجاء الوطن لمحافظة الطائف في عهد الملك عبدالعزيز لمدرسة «دار التوحيد» التي انشق مهدها هناك؛ وترعرعتْ وأصبحتْ من منارات العلم فكانت تلك المدرسة محضنا لعقول البدايات التي أسهمت في بناء الكيان السعودي العظيم؛ حيث انصهر فيها جموع من أبناء الوطن ونُسِجتْ على أرض الطائف أواصر التلاحم والتعايش والارتباط بالوطن والأرض..
وتقع الطائف على السفوح الشرقية لجبال السروات؛ وفي حضن جبل «غزوان», وتبعد عن العاصمة الرياض 900 كيل, ويربطها بمكة المكرمة طريقان الأول قصير على طريق جبال العالية؛ ويسمى «الهدا» والثاني طريق سريع مزدوج «طريق السيل الكبير» وهناك في الطائف فضاءات تحكي تاريخها حيث سوق عكاظ؛ وحيث ميقات الحجاج وحيث حُزمةٌ من مواقع القبائل العربية مثل «هوازن وثقيف».
واليوم وفي عهد بلادنا المبهر، وتكامل غرسنا؛ وتنامي محفزات النهوض في مرتبعاتنا جميعها؛ فليس ثمة خيام ولا أكواخ ولا أطلال في محافظة الطائف بل رؤية حضارية خاصة يتمازج فيها الفكر التنموي مع قوة التخطيط وعمق المستهدفات؛ حينما صدر الأمر الملكي الكريم في الأسبوع قبل الماضي باستحداث هيئة لتطوير محافظة الطائف؛ والأمر الملكي صياغة ناجحة لقيادة التنمية وخدمة احتياجات الطائف وإحداث المسارات الصحيحة؛ والهيئة الجديدة سوف تحدّثُنا عن المستقبل،وكيف ترتدي الطائف معطياته، وتتجاوز حاضرها باتجاه التطوير، وتخرج بشجاعة من سطوة المركزية الإدارية، وتتحول للفكر والممارسات الحديثة في إنماء المدن، وأجزم بإذن الله أن هيئة تطوير الطائف سوف تحملُ من المميزات ما يمكنها من إحداث التطوير تأسيسا على الاحتياجات المتغيرة التي تعني أن ما كان يصلح للوفاء بمتطلبات السكان بالأمس لم يعد مرغوبا اليوم؛ والتطوير اليوم يتكئ على الواقع الاجتماعي والاقتصادي لمحافظة الطائف، وأن تصنع الهيئة الوليدة أسسا متينة لتحقيق الاستدامة، والتعامل مع قضايا التنمية بعين البصير الناقد؛ وكل ذلك ينطلق حتما من تأسيس منظومة عمل تعكس استقلالية القرار والمرجعية النابضة! وذلكم يمثل أولوية قصوى حيث تعاني المدن في عمومها من تعدد المرجعيات حتى لا ينتاب الشوارع وجع الحفر والدفن المستمر لكل خدمة على حدة؛ وهذا الشأن أولوية إدارية يجب التوقف عندها والنظر فيها وإيجاد حلول ناجحة لتنازع الصلاحيات؛ حتى تتمكن هيئة تطوير الطائف الجديدة من صياغة نموذج المدينة الحضرية التي تحقق شغف الساكنين ومتطلباتهم وحقوقهم الإنسانية.
وختامًا هناك أمل وعمل ومؤشرات عليا ومستراد جميل سوف نراه في الطائف عروس المصايف محققا لمفهوم جودة الحياة فالطائف حديقة كبرى في فضاءات وطننا الذي لا يشبهه وطن!
«غرد القمري وفي الطائف شدا
والشفا تضحك لها ورود الهدا»