أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الأدب في عمومه وفن الرواية في خصوصه يعبر عن ذوق الأمة ويشكله، ويرصد فكرها ويؤثر فيه، وكم من أمة بنت أمجاداً من الأدب، وبنت لها دوراً حياً بين الأمم.. والأمة العربية الإسلامية من المفترض أنْ تكون رسالة الأدب في رحابها أكثر يسراً، وأقوى شخصية وغنى؛ فهي تملك عقيدة حية شاملة وراقية كأنما تجدد في كل عصرٍ وزمن؛ غير أنَّ الأدبَ في هذه الأمة الحضاريةِ الثريةِ قد جنح إلى اهتمامات جانبية لم تستطع الإضاءات المتفرّقة أنْ تجد سُبلاً للبروز؛ وكان يتعين أنْ يكونَ أدباء المملكة هم الْحَكَم في الساحةِ الأدبية خاصَّةً في مجالِ الرواية؛ إذْ إنَّ النشأةَ العربية الأولى نبتتْ في أرض هذه البلاد قبل بعثة رسول الله محمد إلا أنَّ ذلك لم يحدث إلى أنْ بدا الأدبُ عندنا في بعض جوانبه ليس سوى صدى للآخرين؛ لتحليل الهموم الأدبية والجمالية والاجتماعية.
قال أبو عبدالرحمن: وجدير بالرواية في الأدب السعودي أن تتميز نوعاً لا كماً، وأن تكونَ الرواية إبداعية تُعْنَى بالنواحي الأدبية والفنية والجمالية, وأنْ تكون فكرية وثقافية عامة.. وإحداث قفزات في هذا الفن يعتمد على نوعية أقلام متميزة في فكرها وإبداعها وعطائها، وذلك يعدُّ مكملاً لحقل المساهمة الأدبية السعودية .
قال أبو عبدالرحمن: لقد عنيت بالنواحي الجمالية في أدب الرواية عناية أعتبرها جزءاً من التزامي الإسلامي الفكري؛ لأنني أنطلق من قضية الجماليات انطلاقاً فكرياً؛ ذلك أنَّ معايير الوجود التي توزن بها الأشياء كما هو معروف عند (الناطقة)، وعند كافة العلماء الأصوليين لا تخرج عن معايير ثلاثة؛ وهي: معيارٌ عقليٌّ يُعرف به الحق من الباطل، والصحيح من الخطأ، وتُقاس به الأمور الحسية.. ومقياسٌ سلوكيٌّ خلقيٌّ يُعرف به الشر من الخير؛ وهذان المعياران قاران ثابتان لا يتغيران بتغير ذات السلوك، أو ذات التفكير.. والمعيار الثالث معيارٌ جماليٌّ وتوزن به أشياء أدرجها العلماء حديثاً بـ (الفنون الجميلة)، وشملت الكلمة الأدبية التي تلتصق مع الفنون الجميلة في المعيار الجمالي.. وإشرافي على الأدب بمنحيين: المنحنى الأول طبيعيٌّ جُبَّلي؛ لأنني مجْـبُولٌ على حبِّ الأدب، ونشأتي العلمية نشأة أدبية بحتة؛ فلا غرابة أنْ أتَّجه إلى الأدب.. والمنحنى الثاني التزامي؛ لأنَّ الأدب الحديث تحوَّل إلى مطية دعاية، وإلى تسويل وإغواء، والأجناس الأدبية: من رواية، وشعر، وقصة، وأقصوصة ، وحدوتة ، ومسرحية، كانت هي المطية المسترحلة لمختلف الأيديولوجيات.. وفي فترة من الفترات كانت الرواية والقصة والمسرحية تتوزع ما بين (بست) يحيط به الجمهور, إلى شاشة (فيلم) يشاهده الملايين, إلى مسلسل تمثيلي يتابع على التلفزيونات.
قال أبو عبدالرحمن: إذا ملك ناصية الشكل الفني الجمالي المؤثر بأي تعبير أدبي راق (رواية، أو مسرحية، أو قصة، أو قصيدة)؛ يشترط علي على الكاتب هنا أنْ يكون مضمونه خيراً, في خدمة الإنسانية عامة, وفي خدمة وطنه وقضاياه الإسلامية والعربية وقضايا تاريخه، ومطالب أنْ يكون مسلماً في عطائه ومضمونه الأدبي دون أنْ نشترط بأنْ نقول الأدب الإسلامي .
قال أبو عبدالرحمن: كما أن الرواية الأدبية بكل صورها سواء أكانت تخيُّلاً محضاً، أو محاكاةً لما يقع كما في الرواية الواقعية ليست أسطورة؛ لأنها اصطلاح أدبي على فنٍّ إبداعي لم يُقصد به ادعاء وقوع حدث تاريخي حقيقة، ولا مجال بعد هذا العرف العام لسريان الرواية تاريخياً كسريان الأسطورة.. وأهم ما تجب ملاحظته أنه ليس كل كذبة تاريخية تكون أسطورة ؛ فبينهما كما يقول الأصوليون عموم وخصوص ؛ فكل أسطورة كذب، وليس كل كذب أسطورة.
قال أبو عبدالرحمن: الرواية في عصرنا الحاضر تعيش عصرها الزاهر بدءاً من كثرة الإصدارات الروائية, والدراسات النقدية المتعلقة بالفن الروائي, وهذا الازدهار شجع الكثير من الكتاب والكاتبات الذين برعوا في فنون الأدب في خوض غمار كتابة الرواية, مما ولد لدينا أعمالاً روائية متعددة, وخطابات متنوعة, اصطبغ خطاب الكثير منها بالتخصص الأصلي لكاتبها, فكان للخبرات العلمية والتراكمات المعرفية لديه إسهام في تشكيل إبداعه الروائي, وقد أثر ذلك في طريقة تقديمه للمادة الروائية.
** **
( محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عَنِّي، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -