بالنظر إلى عديد التجارب الروائية المحلية والعالمية دائمًا ما تتبادر إلى أذهان النقّاد والمهتمين والمتابعين تصورات وأسئلة ملحّة حول تقييم هذه التجارب لكتّاب الرواية، وبخاصة أصحاب الأعمال المتعددة
والتجارب المتراكمة التي تمتد لعقود من عمر الروائي.
ولذلك عند الحديث عن وفرة النتاج الروائي لدى كتّاب الرواية تبرز عددًا من القضايا المتعلقة بتقييم تلك التجارب والوقوف عند أبرز المعالم النقدية والثقافية والأدبية التي تُميّز تجربة روائية عن أخرى، وتميّز عملًا روائيًا عن عمل آخر لنفس الروائي، وعندها يتفرع الحديث أكثر فأكثر.
إن التجريب في شعرية الرواية استطاع أن تنقلها من مرحلة إلى أخرى، من مرحلة السرد الحكائي والقصصي فقط إلى مرحلة السرد الروائي بوصفه خطابًا أدبيًا ينطوي على أنماط ومظاهر ومضامين ومستويات متعددة، وهو ما جعل من الرواية كمنتج أدبي يمثل تحوّلًا جديدًا ضمن تحوّلات الإبداع بشكل عام.
شعرية الرواية كسر الحاجز بين تداخل الأجناس الأدبية والإبداعية وبخاصة بين الشعر والرواية، فاحتواء الرواية على هذه المضامين الشعرية ليس معيبًا في حقّ الروائي أو المبدع شريطة أن لا تكون هذه الشعرية
مخلة بالبنية السردية والحكائية للرواية بل داعمة لها في تعميق الدلالات المراد إيصالها للقارئ أو المتلقي.
وفي المقابل فإنّ وفرة النتاج الروائي ليس شرطًا أن يُلقي بظلاله على شعرية الرواية، حيث لكل عمل روائي عوالمه الخاصة التي يستقي منها الروائي شاعريته التي يستطيع توظيفها في العمل الروائي، وذلك
انطلاقًا من الأساس الذي تقوم عليه الشعرية وهو بيان جماليّة النّصوص الإبداعيّة فتتفاوت هذه الجماليات وتتعزز من خلال قدرة الكاتب وإلمامه بآليات وتكنيكات العمل الروائي.
ولو أخذنا مثالًا على ذلك بشعريّة المكان الذي يعدّ عنصرًا مهمًا لتشكّل جمال النّص في بعض الأعمال الروائية، فنجد أن الشعرية التي يصورها المبدع تختلف باختلاف القدرة الشاعرية التي يمتلكها، وباختلاف
المكان الذي يحكي عنه ضمن سياق عمله الروائي، وقد تجد الصورة الشعرية عن المكان الواحد مختلفة بين كاتب وآخر وذات حمولات ودلالات متعددة.
وأمام ذلك فإن وفرة النتاج الروائي قد يكون سببًا لخلق صور شعرية مختلفة قد تتيحها الرواية دون سائر الأجناس الأدبية الأخرى، ولكن ذلك يبقى مرهونًا بقدرة الروائي على الإبداع والارتقاء بشعرية عمله الروائي.
** **
- نايف إبراهيم كريري