كانت هذه وصيَّة الكاتب والمحرِّر الأمريكي روي بيتر كلارك، باعتبارها إحدى الاستراتيجيات الضرورية لكل كاتب. إنَّ هرولة العديد من الكُتَّاب لكتابة الرواية لهدف الشهرة أو الكسب المادّي السريع، واستحواذ التنافس غير الواعي بينهم على حسّ الكتابة، دون إدراك لهندسة الرواية وآلياتها، ودون إدراك لغائيَّة السرد الروائي ودوره في إثراء الفكر والثقافة، أفضت إلى هذا الإنتاج الأدبي الغزير الذي يصب في خانة الرواية السعودية.
يقول پول أوستر عن صعوبات كتابة الرواية في روايته 1234: «كتابة الرواية متعة ممزوجة بالمعاناة والصراع والهزيمة، السرور الذي تحققه كتابة جملة بارعة، خصوصًا حين تبدأ كجملة هزيلة، ثم تتطور ببطء بعد إعادة صياغتها عدَّة مرات، متعة لا نظير لها في حوليات المنجز الإنساني».
التسويف في الكتابة مَزِيَّة وليس خطيئة، والمادة الخام للإبداع على أنواعه، خاصة الكتابة هي تلك المستقاة من المراقبة والتأمُّل. إنَّ الروائي الغزير بإنتاجه، المندفع للنشر، والذي لا يعتمد على قراءات جادَّة وتراكم معرفي وتجارب فنية وتدريب منتظم، لن يواجه هذا الصراع وهذه التحدّيات أثناء عمله، وهو ما يجعل مهمّة الكتابة والنشر بالنسبة إليه عملًا سريعًا وسهلًا، ولا شك في أنَّ ما يشجعه على الاستمرار هو انحدار الذائقة الأدبية لدى القارئ غير الناضج.
لن نغفل عن دَوْر بعض دُور النشر ووسائل الإعلام في المساهمة بشكل مباشر في ضعف الذائقة الأدبية لدى القارئ وتزايد عدد الكُتَّاب اللامسؤولين، فإهمال التدقيق في القيمة الفنية للإصدارات الأدبية، وإبراز الأعمال الرديئة والترويج لها لمغزى ربحي، تسبَّبا في تضليل القارئ وفي وفرة الإنتاج كمًّا على حساب جودته.
لستُ ضد وفرة الروايات، لكنِّي ضد استعجال النشر لمجرَّد النشر، وضد التكرار والركاكة والإسفاف وانحدار الذائقة الأدبية لأدنى مراتبها. نحن بحاجة المزيد من الأصوات النقدية التي تجادل النص بوعي، فترفع من وعي القارئ، وتمنح الكاتب والروائي الفرصة لإعادة قراءة نفسه ومراجعة ما كتب، لأنَّ الرواية في نهاية المطاف؛ قراءة في التجربة الإنسانية، وحيث هي كذلك فلا بُدَّ أن تكون قراءة واعية، متفحصة، متمهلة، خبيرة، متراكمة، مستفيضة وتفصيلية. يجب أن تستجيب لإغواء اللغة بطريقة لا تخذلها، فاللغة هي الأخرى، تجربة مستقلة بنفسها، قائمة بذاتها، رغم انسكابها الهام في القالب الروائي.
** **
- هناء جابر