علي الصحن
في القضية الدائرة هذه الأيام، ظهر كثيرون أن في وسائل الإعلام أو في وسائل التواصل الاجتماعي، للتعليق على القضية وعلى قرارات ليلة العيد، والغريب أن كل يدلي بدلوه ويتحدث ويشرق ويغرب ويفتي حتى ممن ليس له علاقة بالقانون ولا بالأنظمة، ودون أن يكلف على نفسه حتى قراءة اللوائح والاستناد على شيء منها، وكل ما يقوله لا يخرج عن نطاق العاطفة، والمؤسف هنا أن هناك قانونيين يتحدثون عن القضية، وربما يكيفون الأنظمة واللوائح ذات العلاقة وفق أهوائهم وعواطفهم، فينظرون للفقرة التي تناسب توجهاتهم، ويتناسون المادة التي تخالفها، وقد قال حكيم العرب في زمانه أكثم بن صيفي مقولة صالحة لكل زمان، وكم تنطبق على ما نسمعه ونقرأه هذا الزمان (آفة الرأي الهوى)، وكم من رأي خالف المنطق والواقع والأنظمة واللوائح والتشريعات، وانساق خلف الهوى والعاطفة والميول.
يقول ابن حجر «إذا تكلم المرء بغير فنه أتى بالعجائب»، وكم من إعلامي أو قانوني غير متخصص في الشأن الرياضي أو غير متابع لما يدور فيه، أفتى في موضوع اللاعب محمد كنو دون أن يكون أهلاً لذلك، ودون أن يملك الأدوات والمعلومات، وبالطبع يطلع على المستندات التي تجعله يعطي رأياً محايداً في القضية، وهنا نشير إلى أن هناك من تحدث من خلال النظر من زاوية واحدة، أو الاطلاع على فقرة منسوخة أو معدلة أو ملغاة، وهو من ينطبق عليه بيت أبو نواس المشهور:
فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ فَلسَفَةً
حَفِظتَ شَيئاً وَغابَت عَنكَ أَشياءُ
والأغرب من ذلك أن يُستضاف هؤلاء في بعض البرامج، ثم تؤخذ أراؤهم كمنطلقات ومحاور لمناقشتها مع ضيوف الحلقة، وهذا قد يهون عند برامج أخرى تتحدث في شأن قانوني بحت، وتتطرق إلى أمور قانونية دقيقة، دون أن يكون بين المتحدثين قانوني واحد على الأقل.
في بعض البرامج البعيدة عن الشأن الرياضي نشاهد توقف طالب العلم أو الطبيب أو المهندس أو الاقتصادي عن إبداء رأيه في مسألة أو موضوع معين، لأسباب مختلفة منها: تعارض الأدلة أو التشريعات المتوفرة عنده لحظتها، أو لأنه لا يريد أن يلبس على الناس في أمر يهمهم، أو لكونه في تخصص دقيق بعيد عن تخصصه فيحيل الأمر إلى أهله، أو لحاجته إلى الرجوع للمصادر للتأكد من المعلومة قبل عرضها على الرأي العام، فهل سبق أن شاهدنا هذا في برنامج رياضي؟
من المؤسف أن أقول إن ذلك يندر في البرامج الرياضية، حيث تجد الشخص نفسه يتحدث في كل أمر ويفتي في كل شأن فهو لاعب سابق ومحامٍ وأخصائي إصابات ملاعب وفيلسوف ومؤرخ وإحصائي ومحلل تحكيمي وكل شيء، وما من موضوع يطرح للنقاش، وإلا تجده يفتي فيه ويدلي، واللوم ليس عليه بل على من وضع المايك معه وسلمه أمر الحديث للناس.
كتبت في مقال سابق: «مشكلة بعض الضيوف الحصريين أنهم يقدمون أنفسهم كمحامين عن أندية معينة، فيدافعون عنها، وينزهونها من الأخطاء، ويؤكدون سلامة موقفها، وصحة أعمالها في كل شيء، وعلى الطرف الآخر، لا ينفكون عن التقليل من الآخر، والتشكيك في مكتسباته، والنيل من القائمين عليه، بطريقة هي أقرب للحقد من النقد، وبأسلوب قد يترفع عنه المشجع العادي. إن ما يحدث من تعصب وتسطيح للرأي ونسف للآخر في بعض البرامج، لا يمكن أن تتبناه برامج محترمة، بطواقم محترفة، حتى لو كانت تبث من مقار الأندية، وتتخصص بالحديث عنها، وهنا لا أعني من يميل إلى نادٍ بعينه، ولا أخص أحداً دون أحد، بل أتحدث عن ميول مختلفة، وضيوف متنوعي التوجهات والمشارب»، وهنا أتساءل: مثل هؤلاء هل يمكن أن يؤخذ منهم في مثل قضية اللاعب كنو؟