حاورها - ماجد البريكان:
ترى الدكتورة بشاير الصانع أستاذ علم الاتصال والإعلام الرقمي في جامعة الكويت أن زمن الحروب التقليدية أوشك على الانتهاء، لتحل بدلاً منها الحرب الناعمة بكل أدواتها ووسائلها، موضحة أن التحالفات والاتفاقات السياسية بين الدول، تزيد من الإقبال على الحرب الناعمة بينها، باستخدام أساليب ملتوية.
وتؤكد بشاير، الحاصلة على ماجستير إدارة الاتصال، وبكالوريوس اتصال وتسويق، أن مشني الحرب الناعمة غالباً يستغلون المشاهير ووسائل التواصل الاجتماعي والذباب الالكتروني، لإطلاق الحرب من اتجاهات عدة، وتحقيق أهداف لا تخرج عن تشويه سمعة الخصم، وطمس الحقائق وترسيخ الشائعات في الأذهان، وإشاعة الفوضى.
وبعبارات صريحة، أعلنت الدكتورة بشاير أن دول الخليج العربي مستهدفة بالحرب الناعمة، باستخدام كل أدواتها المختلفة، مشيرة إلى أن التحالف بين دول الخليج في مواجهة تلك الحرب، أمر لابد منه، محذرة من أن خطر الحرب الناعمة كبير وخطير، سواء على الدول أو المؤسسات.. وهنا نص الحوار:
• تحدثتِ في لقاء تلفزيوني أن هناك حرباً إعلامية ناعمة.. ماذا تقصدين بهذه الحروب؟
* الحروب الآن نادراً ما تخاض فعلياً بالدبابات والصواريخ، بل تكون إما بيولوجية أو سيبرانية أو إعلامية، ونحن هنا بصدد الحديث عن النوع الثالث، حيث تكون الحرب خفية وذكية وغير مباشرة. فالحرب بالقوة الناعمة والبروباجندا الإعلامية والحملات الممنهجة، تهدف إلى الهجوم على دولة أخرى، وتشويه سمعتها، وتمويه الحقائق وطمسها، بحيث لا يعود الأفراد قادرين على التمييز بين ما يعكس الواقع، وما يزيفه، ما يؤدي إلى صناعة هوية جديدة لهذه الدولة، تسود وترسخ بالغرس التراكمي في الأذهان، وتكون عبارة عن مسخ تم تصنيعه باحترافية إعلامية.
الوسم والهاشتاق
• ما أشكال الحرب الناعمة وكيف يتم تفعيلها واستخدامها؟
* تستخدم الحرب الناعمة محركات البحث والوسم والهاشتاق والترند والقنوات الإعلامية بأشكالها المختلفة كالأفلام والتلفاز والسوشال ميديا وغيرها، بحيث يتم غرس أفكار معينة حول تلك الدولة، وتجاهل إنجازاتها وفلترة كل ما يبث عنها، بما يتناسب مع أجندة البروباجندا الإعلامية المخطط لها مسبقاً.
كما تستخدم الحرب الناعمة المشاهير والمؤثرين والمثقفين والإعلاميين ومقدمي البرامج، سواء كانوا مأجورين أو على قدر من السذاجة الإعلامية، بحيث يسهل توجيههم والتلاعب بعواطفهم، فيزيدون الحرب اشتعالاً بتفاعلهم المندفع.
أيضاً الحرب الناعمة تعمد إلى استخدام استراتيجية الإيهام، بحيث تقدم فئة نفسها على أنها تريد المصلحة العامة وأن حديثها السيئ وانتقاداتها غير المبررة، ما هي إلا من باب حب وحرص على التطوير، بينما في الحقيقة يتم تمرير وترسيخ رسائل مبطنة، تشعل الفتن وتبث ثقافة الإحباط وترسخ الفساد كأسلوب حياة وتعزز تدني الذوق العام وثقافة التسطيح والتفاهة والبذاءة كمعيار للتعامل والتداول، وإحداث حالة فوضى فكرية وكلامية وأخلاقية وثقافية كما في نظرية الفوضى التي يمكن إسقاطها على المجال السياسي والإعلامي، وتوضح لنا كيف أن الأثر البسيط لبعض الأحداث يؤدي إلى تغييرات غير متوقعة أو ما يسمى تأثير الفراشة.
بعض الطرق المستخدمة أيضاً في الحرب الناعمة تشمل استضافات إعلامية لشخصيات مشبوهة وإطلاق الألقاب عليهم، كخبراء ومستشارين ونشطاء، وذلك للتحدث بسوء عن الدولة، بالإضافة إلى برمجة تغريدات موجهة ومهشتقة واستخدام البوتات والمتابعين الوهميين والذباب الإلكتروني،كذلك القيام بتفعيل ماكينة الدعاية الإعلامية والتحكم بحراس البوابة الإعلامية وتحديد الأولوية للأفراد، وهذه نظريات إعلامية، نرى إسقاطاتها يومياً على أرض الواقع، بمعنى انك لا تكتفي بمؤثر أو مذيع واحد، بل يكون هناك اتفاق جماعي على الهجوم الإعلامي المنظم بجمع أكبر عدد من المأجورين والمرتزقة بالمال والمناصب والتسهيلات والإغراءات المختلفة واستغلال سذاجة بعضهم وعدم وجود أساسيات الوعي الإعلامي لديهم لإيهام الأفراد داخلياً وخارجياً أن ما يبث هو رأي الأغلبية، وبذلك يقتنعون ويتأثرون، ويدخلون في دوامة الصمت والضياع الإعلامي والفكري.
الحروب الإعلامية
• تستهدف الحروب الإعلامية الناعمة منطقة الخليج بشكل خاص، في رأيك من يقف خلف هذه الحرب؟
* دولنا منَّ الله عليها بخيرات تعتبر مطمعاً للكثيرين، كذلك نحتاج دائماً أن نفتش عن المصالح «المشتركة» التي تهدف إلى إضعاف وكسر وعزل دولنا بطرق مباشرة وغير مباشرة، إما طمعاً في خيراتها أو عقاباً لمواقف سياسية معينة، فالدولة التي يتم الهجوم عليها، قد تكون عدواً حقيقياً أو مفترضاً أو مجرد عائق بنظر من يشن عليها الحرب الإعلامية الناعمة.
الحرب الداخلية ينظمها أفراد مأجورون أو جماعات تطمح إلى نفوذ سياسي أو نخب ترغب في التحكم بخيرات الدولة، فالبلد الضعيف سهل نهبه، أما الحرب الخارجية، فتقف وراءها دول أو أجهزة أو جماعات أو أحزاب تتضارب مصالحها مع الدولة التي يتم الهجوم عليها.
• ما فائدة من يستخدمها؟
* المواثيق الدولية تمنع الدول من الاعتداء على بعضها البعض، لذا فإن الحرب الإعلامية داخلياً وخارجياً هي الحل لإضعاف الطرف الآخر وتشويه سمعته بكل أدوات التدليس والتحريض والاستفزاز، وذلك للنيل من مكتسبات دولة أخرى، سواء الرياضية أو الفنية أو العلمية أو التاريخية، وذلك بغرض إشاعة وترسيخ ثقافة الإحباط والفساد والابتذال والتسطيح والتخوين والفتنة في ذلك المجتمع داخلياً، بالإضافة إلى تشويه سمعة مواطنيه خارجياً، بحيث يتم الطعن في الدولة والشعب بأنها - على سبيل المثال - دولة فساد وتأخر وخراب، وأن شعبها عنصري وفاسد ومبتذل وفاشل.
الحس الوطني
• في نظرك كيف التصدي لتلك الحروب الإعلامية الناعمة؟
* بناء الحس الوطني بذكاء لحماية الهوية الوطنية، على أن يتم كذلك ترسيخه في المناهج الدراسية، وأيضاً المواجهة بسياسة إعلامية ذكية، تشمل خططاً واستراتيجيات وترسانة إعلامية شاملة وموجهة، وتضمن نجاح مجهودات الدولة داخليا وخارجياً، وذلك من خلال رؤية إعلامية متكاملة واستباقية. بعض هذه الأمور يجب أن تشمل بناء العلامة الوطنية، كأداة إعلامية سياسية لتقوية وضع الدولة على المسرح العالمي والمحلي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً واجتماعياً، كذلك التسويق الإعلامي والثقافي للدولة بذكاء واحترافية، بالإضافة إلى إدارة الهوية الرقمية وصناعة المؤثرين، وترسيخ الوعي الإعلامي لدى الشعب وأمور أخرى كثيرة، لا ينبغي نشر تفاصيلها، فالخطط الإعلامية تنفذ ولا تنشر لضمان نجاحها.
• وسائل التواصل الاجتماعي مازلت تعج بالشائعات وانتحال الشخصيات.. برأيك ما الحل في ذلك؟
* القوانين الصارمة التي تمنع وتردع وتحاسب، والوعي الإعلامي الذي يرتفع بثقافة المتلقي، فلا يكون لقمة سائغة للمغرضين والمحرضين والمنتحلين ومروجي الشائعات، بالإضافة إلى الخطط الإعلامية الذكية التي تواجه وتقلل أضرار هذه الأمور على المجتمع والدولة.
الفوضى الإعلامية
• طالبتِ في أحد لقاءاتك الإعلامية بأنه حان وقت إيقاف الفوضى الإعلامية.. ما القصد من ذلك؟ وما الفوضى الإعلامية؟ وهل توجد بالفعل فوضى في الإعلام الخليجي؟
* نعم توجد فوضى إعلامية نراها يومياً في الترندات والهاشتاقات والشائعات المتداولة، وتوجيه الرأي العام، والتلاعب بالمعلومات والزيف العميق للصور والفيديوهات.. وكل هذا يغذي الفتن المجتمعية والخلافات السياسية والحروب الناعمة وهدم سمعة الدول.
• نشاهد في الخليج قاطبة تصدُّر مشاهير «السوشل ميديا» البرامج التلفزيونية والصحف، وأنت لديك موقف من ذلك.. هل بالإمكان تعليل هذا الموقف؟
* لا بأس إن كان لديهم أساسيات العمل الإعلامي والكاريزما واحترام ذائقة المشاهد والذوق العام وعادات المجتمع، فهؤلاء لهم تأثيرهم على فئات كثيرة، وإذا تم استغلال هذا التأثير بذكاء، فستعم الفائدة على الجميع، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بتأهيل وصناعة المؤثرين لخدمة المجتمع والدولة.
حماية الأطفال
• طالبت بإدراج «الوعي الإعلامي» في كل المراحل الدراسية.. ما الهدف من ذلك؟
* الوعي الإعلامي يساهم في ترسيخ التفكير النقدي لدى الأفراد، كي يتمكنوا من فهم وتحليل الرسائل الإعلامية والبروباجندا، ومعرفة أسبابها، والهدف من وراءها، والمعاني المبطنة فيها، وبالتالي نحمي الأطفال والأفراد والمجتمع والدولة من الفوضى الإعلامية وتأثير الحروب الناعمة.
• هل لوسائل التواصل الاجتماعي مخاطر؟ وإن وجدت فما أبرزها؟
* نرى بوضوح تذمر الأفراد والدول والهيئات العالمية من مخاطر وسائل التواصل والإعلام، بدءاً من تفشي الشائعات والفتن المجتمعية وتدهور صحة الأفراد، وتفكك الكيان الأسري، وتهديد الأمن القومي والخصوصية وزيادة التجسس والاختراقات الأمنية وغيرها من الأمور.
السبق الصحافي
• برأيك هل زمن «السبق الصحافي» انتهى في ظل ثورة التطبيقات الإلكترونية؟ أم لك رأي آخر؟
* السبق الصحفي تمدد الآن ليصبح مطمعاً، ليس فقط للصحفيين والإعلاميين، بل لكل من يملك هاتفاً ذكياً، بحيث أصبح الجميع يتهافت على تصوير وبث الأخبار حتى وإن لم يتم التأكد من صحتها، بالإضافة إلى نشر الفيديوهات والمقاطع حتى وان كانت مفبركة، وذلك طمعاً في تحقيق السبق في البث والنشر وبالتالي تحقيق الشهرة، وما يتبع ذلك من الحصول على الإعلانات والرعايات التي أصبحت هدف الأفراد والطريق الأسهل للنجاح في نظرهم. كذلك فإن المؤسسات الإعلامية العالمية أصبحت تعتمد بشكل أساسي على صحافة المواطن الذي ينافس الإعلاميين على السبق الصحفي.