د. إبراهيم بن جلال فضلون
في عالم تسوده العولمة، يصعب احتواء أزمة الطاقة بعد أكثر من 50 عامًا من العلاقات القوية، حتى بدأ فصل كبير في الطاقة يتكشف الآن بين روسيا وأوروبا، وهو دليل كاف على أن هناك شيئا غير صحيح في الطريقة التي تعامل بها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مع تحول الطاقة. فقبل الغزو، كان الاتحاد الأوروبي أكبر زبون للطاقة لروسيا، يشتري حوالي 45 % من الغاز المستورد، وحوالي ربع نفطه و25 % وما يقرب من نصف فحمه من روسيا. مع ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم فعليًا إلى مستويات قياسية، أبقى زعماء الاتحاد الأوروبي حتى الآن تجارة الطاقة خارج معادلة العقوبات، مع تردد ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تعتمد بشكل كامل على روسيا في اتخاذ أي قرار ويتطلب ذلك تضحيات قصيرة الأجل من أوروبا، وقد قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك، إن هناك علاوة جديدة ناشئة في أسواق الطاقة أطلق عليها «علاوة تحول الطاقة». ما يعنيه هذا، بشكل أساسي، هو أن تحول الطاقة يجعل الطاقة أكثر تكلفة. ومع ذلك، يحرص آخرون على عدم إلقاء اللوم على أي شيء يتعلق بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وفجأة أصبحت أوروبا أخيرًا أكبر زبون لمنتجي الغاز المسال في الولايات المتحدة، حيث استقبلت أكثر من 50 % من إجمالي الشحنات الأمريكية خلال الأشهر الماضية. لكن الغاز المسال الأمريكي، وأية مصادر أخرى لن توفر سوى إغاثة قصيرة الأجل.
حيث ذكرت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق من الأسبوع الماضي أن هناك «عدة عوامل متعلقة بالطقس» من بين أسباب ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، لكن عاجلًا أم آجلًا، سيصبح شراء النفط والغاز الروسي غير مستدام سياسيًا، وقد توجه ضربة قوية للاقتصاد الروسي الذي يكسب عادة حوالي خمسة أضعاف من النفط ومشتقاته أكثر مما يكسبه من تصدير الغاز الطبيعي. وقد تغيّرت النسبة بسبب الارتفاع الاستثنائي في أسعار الغاز في أوروبا، لكن صادرات النفط لا تزال أكبر بقرة حلوب للربح بالنسبة إلى الكرملين. قبل الغزو، ذهب حوالي 60 % من صادرات النفط الروسية إلى أوروبا مقارنة بحظر الغاز. ليس من السهل العثور على بدائل لواردات الغاز الروسي لأن النفط هو أكثر قابلية للاستبدال، وقد يكون لها مكاسب محتملة ضخمة، حيث ستواجه جهود الحرب الروسية في أوكرانيا رياحًا مُعاكسة كبيرة تمامًا مثل تحول الطاقة الخضراء في أوروبا.
إن فرض حظر مفاجئ على النفط والغاز من شأنه أن يرسل موجات من الصدمات الاقتصادية في جميع أنحاء أوروبا وربما يدفع الاقتصاد الأوروبي إلى الركود. ومع ذلك، لا بد من الحل الأوروبي، حيث إن الوقت ثمين وجرس الإنذار يدق لأوكرانيا، وهناك خيارات أخرى لتجفيف عائدات تصدير النفط الروسي بدون اللجوء إلى حظر شامل، كفرض تعريفة استيراد أو حد أقصى لسعر النفط الروسي. وتحويل مدفوعات النفط الروسي إلى «حساب ضمان» (escrow account)، والذي سيظل مجمدًا إلى أن يتوقف الروسي على أوكرانيا.
لعل التدابير المقدمة من خلال خطة العمل الأوروبي المشترك المعروفة بـREPowerEU، من شأنها تخفيض الطلب الأوروبي على الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام سيجعل الاتحاد الأوروبي لا يعتمد على المحروقات الروسية قبل عام 2030»، وهو ما يمثل ذلك تحدياً بالنسبة لدول مثل فنلندا وسلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك التي تستورد معظم غازها من روسيا، وألمانيا التي تعتمد بنسبة 55% من امداداتها على روسيا. وذكرت برلين بأنه لا يوجد بديل لتجاوزها «في الوقت الراهن».
بدأت الدول الغربية تستيقظ على حقيقة مؤلمة بسيطة للغاية. هذه الحقيقة هي أن من يتحكم في المواد الخام يتحكم في كل شيء فالعقوبات الأوروبية الأمريكية الأخيرة سيف ذو حدين، إذ تقدر قيمة صادرات الفحم الروسية بنحو أربعة مليارات يورو سنويًا، ولا يوجد بديل سهل للفحم الروسي في مزيج الطاقة في أوروبا.