د. عيد بن مسعود الجهني
في عرض العلاقات السعودية الأمريكية.. نرى أن الدولتين كانت علاقاتهما في بداياتها هي علاقة نفطية تطورت لتصبح علاقة مصالح واسعة.. علاقة إستراتيجية نظمت تحالفًا بين الدولتين نسجها تاريخ تطور علاقاتهما.
ونحن نكتب عن العلاقات مع دولة كالولايات المتحدة لا بد أن نتذكر أنه لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة بل إنها ستختلف حسب الظروف والمصالح، لذا واجهت مراحل مد وجزر عديدة فلم تكن الأجواء بينهما صافية دائماً - كانت هناك غيوم لكن سرعان ما تنقشع مع الحوار بين الحليفين الإستراتيجيين.
ولذا فإنها في أحيان كثيرة تحتاج إلى مراجعة بين الدولتين تخدم المصالح المشتركة في ظل واقع سيطرة اللوبي الصهيوني المتطرف صاحب التأثير الكبير على توجيه السياسة الأمريكية الخارجية الأمر الذي (دفن) عملية السلام منذ أوسلو حتى اليوم.
لكن في كل الأحوال هناك شعرة معاوية المشهورة التي تشد وترخى، وهي صالحة في كل زمان ومكان تطبق حتى في علم العلاقات الدولية فهي تصلح لربط المصالح واستقرارها بين الدول.. من هذا المنطلق فإن بقاء جسور تهدف إلى دعم علاقات صداقة متينة مع أمريكا يعد نقطة ارتكاز إستراتيجية تخدم المصالح السعودية والأمريكية في الميدان السياسي والاقتصادي والأمني والإستراتيجي والعسكري..الخ.
ولا شك في أهمية توطيد العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية ونهج أسلوب عمل يتسم بالشفافية لتصحيح ما طرأ أو يطرأ على العلاقات من خلل أو تناقض، فالمملكة حاضنة الحرمين الشريفين للعمق العربي والإسلامي، يتطلع إليها أكثر من (2) بليون مسلم وتسيطر جغرافيًّا على معظم شبه الجزيرة العربية وتجاوز عدد سكانها 30 مليون نسمة ولها حدود على كل من الخليج العربي والبحر الأحمر وحدودها تمتد مع ثماني دول عربية وتتحكم في أكثر من 20 في المئة من المخزون العالمي المؤكد من البترول (266) بليون برميل وأكبر منتج للنفط عالميًّا.
بذا فإن التوجهات الأمريكية في الآونة الأخيرة المعتمدة على معلومات متناثرة هنا وهناك عن بلاد الحرمين الشريفين، تعد في حقيقتها بعيدة عن الواقع ولا تخدم المصالح المشتركة وعمق العلاقات التي يتجاوز عمرها (85) عاماً قامت على الاحترام المتبادل.
والمملكة بحجمها الكبير ومكانتها اقتصاديًّا بل وإستراتيجيًّا تعتبر واحدة من أهم الأسواق المستوردة للسلع التي تنتجها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وستستمر القرارات التي يتخذها قادتها لها أثر هام على النظام الاقتصادي الغربي باعتبارها مركز الدين الإسلامي، فإنها تلعب دورًا رئيسًا في نطاق السياسات العربية والإسلامية والدولية يؤثر إيجابًا أو سلبًا على صعيد العلاقات الدولية والتأثير في العالمين العربي والإسلامي.
والولايات المتحدة قوة كبرى اقتصادية تمثل حقيقة النظام الدولي الجديد.. وهي قوة عسكرية فاعلة في ميزان القوى اليوم.. وهي محرك أساسي للسياسة والعلاقات الدولية في هذا العصر الذي يموج بأزمات طاحنة وتهديدات ومشاكل عديدة تنتظر الحل.
ومن واقع إبرازنا لأهمية الدولتين، فإن احترام سيادة كل دولة منهما وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى يعد في علم القانون الدولي والأعراف الدولية والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة الذي تعتبر الدولتين من أولى الدول المؤسسة لها بعد الحرب الكونية الثانية، أساسًا راسخًا لاحترام سيادة الدول في المنظومة الدولية.
وإذا تحدثنا بلغة الأرقام من تلك المكاسب على سبيل المثال لا الحصر أن صديقتنا أمريكا حصدت نصيب الأسد من ثمار هذه العلاقة على مدى العقود السابقة خاصة بعد ارتفاع أسعار سلعة النفط عام 1973 وزيادة إيرادات المملكة من البترول فمعظم صفقات القوات السعودية مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية وقيمتها كانت أرقامًا فلكية تقدر بمئات الملايين تدفع من الميزانية السعودية ولم تتحمل الخزانة الأمريكية دولارًا واحدًا، وفيها دعم مباشر للاقتصاد الأمريكي وخلق فرص عمل كبيرة للأمريكيين.
المملكة منذ ثورة أسعار النفط عام 1973 وحتى اليوم تبنت سياسة توازن سوق النفط الدولية على حساب إنتاجها لخلق سوق دولية مستقرة بسعر معقول لدى المنتجين والمستهلكين والمستفيد الأكبر من هذا أمريكا باعتبارها أكبر مستهلك للنفط في العالم، إضافة إلى ذلك تبنت المملكة سياسة سعرية لنفوطها بالدولار الأمريكي وأبقت على ربط عملاتها به، وفي هذا دعم للعملة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي.
خلال الحرب الباردة وحتى انهيار جدار برلين 1989 وسقوط الشيوعية، لعبت بلادنا دورًا هامًّا في دحر الشيوعية، واستمرت في موقفها هذا حتى سقطت فلسفة الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفييتي (السابق) عام 1991، بل إن المملكة وقفت بقوة ضد مد الشيوعية لأذرعها في معظم الدول العربية والإسلامية والمستفيد الأعظم من هذا بالطبع أمريكا المنافس الرئيس للاتحاد السوفيتي (السابق).
ويبرز الدليل أمامنا عندما احتل الاتحاد السوفيتي (السابق) أفغانستان عام 1979 كانت المملكة أول حليف قوي وقف جنبًا إلى جنب مع أمريكا لمواجهة الغزو الروسي واستمرت حتى غادر الروس أفغانستان (بالقوة)، ولم يكن الدعم السعودي عسكريًّا أو ماديًّا بل كان أيضًا بتجييش العرب والمسلمين ضد الشيوعية التي تعتبر الدين أفيون الشعوب.
والتاريخ يقول عندما احتل العراق دولة الكويت الشقيقة في شهر أغسطس 1990 الذي يعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي وللمصالح الأمريكية والأوروبية بل والعالم، كان قرار التحرير سعوديًّا وكان الأهم في حشد التحالف لتحرير دولة الكويت واستقبلت المملكة أكثر من (500) ألف ضابط وجندي معظمهم أمريكيون، وهي المملكة التي دفعت معظم تكاليف تلك الحرب.
ينطبق ذلك على الحرب ضد الإرهاب، بلادنا كانت ولا زالت الدولة التي تحملت لعقود مكافحة الإرهاب على المستوى العسكري والمادي وزودت دول العالم وفي مقدمتها صديقتنا (أمريكا) في كل المعلومات المتوفرة لدى أجهزتها الأمنية وفي المؤتمر الذي حضره الرئيس السابق ترامب القيادة السعودية بحجمها العربي والإسلامي والدولي دعت (55) دولة لحضور المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 21 مايو 2017م شارك فيه ملوك ورؤساء دول ووفود من العالمين العربي والإسلامي.
المملكة في مقدمة الدول التي تستثمر في السوق الأمريكية من خلال صندوقها السيادي في السندات الأمريكية لوحدها أكثر من (143) مليار دولار والشركات السعودية ورجال الأعمال والمواطنون السعوديون لهم دور رئيس في الاستثمار في أمريكا بالأسهم والسندات والعملات والعقارات ..إلخ.
الجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية في الولايات المتحدة احتضنت وتحتضن مئات آلاف من الطلبة السعوديين من الجنسين ضمن بعثات تتحمل الدولة جميع نفقات دراستهم بالكامل، لتصبح أمريكا الدولة رقم (1) التي يتجه إليها الطلبة السعوديزن بتوجيه من القيادات السعودية.
هذه نبذة مختصرة لعرض بعض المكاسب التي تجنيها الولايات المتحدة التي نعتبرها حليفًا تطورت علاقتنا معها عبر عقود عدة لتصبح حليفًا إستراتيجيًّا قويًّا يحافظ على مصالحه ومصالح حلفائه ونحن حريصون على دعم تلك العلاقات مادام أنها لا تتعارض مع مصالح الأشقاء والأصدقاء من دول المنظومة الدولية، وهذا تطبيق لمبدأ القانون الدولي الذي قاعدته (القوة) والمصلحة، أستشهدها بكلمات للسيد جون ماتيس وزير الدفاع (السابق) (السعودية ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن الإقليمي).
نقطة ارتكاز هامة جدًا لابد من بيانها للإدارة الأمريكية ونحن في سياق علاقة الدولتين كحليفين إستراتيجيين لعبا دورًا هامًّا على المستوى النفطي والاقتصادي والتجاري والعلاقات الدولية والإستراتيجية عامة والشرق الأوسط والخليج العربي خاصة، إن النظام السياسي في المملكة لم يفرض من دولة استعمارية وإنما نبع من الداخل.
هذا النظام السياسي مستمر في معادلة الإصلاح والتطوير في مجالات عدة في طول البلاد وعرضها، أخذا في الاعتبار خصوصية وقدسية بلاد الحرمين الشريفين، ويبدو أن الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض في عهد السيد بايدن لم تدرك هذا، كحليف لعقود عديدة.
ونحن ندرك أن للولايات المتحدة مصالح في هذا العالم المتغير ولبلادنا مصالحها، وتلك المصالح في أحيان كثيرة لا يمكن أن تتطابق، وهذا ديدن العلاقات الدولية بين الدول.
لكن نحن أيضًا ندرك أن اللوبي الصهيوني يفرض على صناع السياسة الأمريكية في معظم الأحوال أهدافه المتطرفة المعادية لبلاد الحرمين الشريفين، (تزوير) معلومات عفى عليها الزمن داعبت خيال كاتب صحفي أو محلل صهيوني امتلأ قلبه بالحقد والحسد والخبث والمكر قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال 30).
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة