د. محمد بن صقر
تساؤل دائم ما يتبادر إلى ذهني حول ما الذي يمكن أن نقدمه إلى العالم في وقتنا الراهن وأعلم أن هذا التساؤل قد يحفزكثيراً من العقول ليستجلبوا الماضي والتاريخ والأبطال في ذلك الزمان والدخول في جدل طويل لا طائل منه سوى الفوز برأي دون الإجابة عن السؤال الذي لابد أن نبني له وأن نعمل من أجله؛ ما الذي يمكن أن نقدم للعالم في وقتنا الحاضر؟
فالعالم متغير بشكل مستمر والحضارات تنمو وتزول وتؤرخ لنفسها من خلال رجالاتها وأبطالها ما الذي يحتاجه العالم من صناعة وابتكار وعلم ونظريات في الإدارة والاقتصاد والقيادة والتطوير ...الخ, هذا من جانب والجانب الآخركيف نرسخ ريادتنا للعالم في أن لنا السبق وكيف نجعل الآخر يلجأ إلينا عندما تأتيه معضلة اقتصادية أو أمنية أو مالية أو صناعية أو طبية ويثق أن أفضل الحلول هي الموجودة لدينا فكما أن دولاً قد اشتهرت بصناعة ودول اشتهرت بالطب ودول اشتهرت بالابتكارات والتعليم والاختراعات والسياحة والسياسة فيمكن لنا أن ندخل إلى مضمار السباق ونستطيع أن نكون دولة شمولية ونقدم لهم كل ما برعنا فيه وتفوقنا به على الآخرين وأن نستمر في التصدر والسباق لأخذ زمام بناء القواعد في جميع المجالات.
اعلم أن هذا الأمر ليس بالسهل وفي نفس الوقت ليس بالصعب ولكنه بالأمر الممكن تحقيقه إذا توفرت الإرادة والتركيز على المستقبل فكما انتقلت سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول وأصبح وادي السيليكون إحدى أكثر مناطق العالم استقطاباً لرواد الأعمال بفضل الأبحاث والتجارب والدراسات فأغلب الأبحاث ترجع نجاح «السيليكون» إلى وجود جامعة ستانفورد، التي ركزت منذ تأسيسها على البحث العلمي في مراكز متخصصة فنحن نستطيع أن نقوم بذلك فقط بتقديم المعرفة والتجارب والأبحاث والدراسات عبر مختبرات لذلك ففي اعتقادي أن مراكز الدراسات والأبحاث والابتكارات سواء كانت مستقلة أو مرتبطة بالجامعات لابد أن تقوم بدور ريادي في إدارة المعرفة وبناء النماذج وتصدير المعرفة والممارسات المحلية لتكون عالمية وأن تكون هذه الممارسات مبنية على أدلة وبراهين وأبحاث مستقلة ودراسات مختلفة ومتعمقة للمساهمة في خلق أفكار جديدة عملية ومبتكرة وتقديم حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع على المستوى المحلي والوطني والعالمي.
وصناعة الجودة من خلال إعداد وتقديم الأبحاث والتوصيات السياسية والتحليلات حيال مجموعة متنوعة من القضايا التي تحتاجها الدول, إن أفضل بضاعة دائمة الصلاحية تقدم للعالم هو العلم وأكبر جذب ومغناطيس مبهر للعالم هو تقديم الحلول لكل معضلة وبناء عالم جديد من الابتكار المبني على البراهين والتجارب وتقدم لهم الدعم، إن الحكومات دائماً ما تستفيد من كوادر مراكز الدراسات في تشكيل قيادتها، فأصبحت من أهم مصادر الكوادر التي تعمل في الحكومة، ذلك لأن العمل البحثي المهني يمنح الباحث خبرة، في فهم البعد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لأي قرار يتم اتخاذه، فعلى سبيل المثال عام 1980، إبان حقبة الرئيس الأميركي رونالد ريجان قام بتعيين ما يزيد على 150 موظفاً من مراكز أبحاث، في مناصب حكومية مهمة، منها مؤسسة هيريتدج (Heritage Foundation)، وأسهمت تلك الكوادر في أكبر انتصار للولايات المتحدة في كثير من المجالات لأن بضاعتها المعرفة والعلم فهل سنقوم بالتركيز على هذه البضاعة في مستقبلنا القريب.