م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - هل من الممكن أن تكون هناك ثقافة بلا قضية أو بلا سؤال أو بلا موقف أو بلا غاية؟ فالثقافة بلا قضية هي ثقافة تسلية.. والثقافة بلا سؤال هي ثقافة بلا وعي.. والثقافة بلا موقف هي ثقافة مذبذبة.. والثقافة بلا غاية هي ثقافة تائهة.
2 - الثقافة بلا قضية ثقافة لتزجية الوقت لأنها بلا فعالية ولا تأثير.. وجودها للاستعراض وحديث المجالس والجدل البيزنطي والسفسطة اللفظية التي بلا طائل.. أما الثقافة بلا سؤال فهي بلا بصيرة ولا خطة ولا رؤية، بل ليس لها وجود.. فهي ثقافة متشظية حركتها عبثية بلا اتجاه أو هدف.. أما الثقافة بلا موقف فهي مهتزة متراخية، فالثقافة موقف والموقف يعني الشخصية.. فإذا كنت تعرف ولا تتخذ موقفاً فهذا يعني أنك مسلوب شخصية، من هنا فلا معنى لثقافتك.. أخيراً الثقافة بلا غاية هي مثال لثقافة الفوضى والخنوع.. والمثقف فيها ما هو سوى إسفنجة تمتص ما يَرِدُها، وهي جاهزة لكل من يعصرها.. فلا تزيد على أن تكون ممسحة لأوساخ الآخرين.
3 - حينما يقع الفرد في المجتمع العربي ضحية لسؤال الخيار بين المعاصرة والتقليد، أو الحداثة والتراث، أو الأيديولوجي والمدني، أو الدكتاتورية والديموقراطية، ثم يبحث عن الجواب ولا يجده.. فاعرف أن ثقافة هذا المجتمع قد فقدت السبيل وليس لها غاية، وبالتالي فهي بلا موقف وليس لديها قضية.. وثقافة بلا هذه العناصر الأربعة هي ثقافة انهيار لا ثقافة بناء.. وهنا يحق على المجتمع الذي هذه ثقافته قول الرسول الكريم أنهم «غثاء كغثاء السيل».
4 - الفرد العربي اليوم يقاوم تيارات تعصف به وبمقدرات بلاده ومستقبل أجياله.. ويتأرجح بين سلطة مستبدة وتيارات دينية متشددة، وأحزاب تلجأ إلى كل شيء في سبيل تحقيق انتصاراتها السياسية.. فتستخدم المذهب والمنطقة والقبيلة وتستدعي زمن الفتنة الكبرى.. الفرد العربي تَعَرَّض خلال السبعين السنة الماضية إلى مواقف تهد الجبال، وتزلزل الكيان، وتُذْهب العقل، وتُخرج عن الطَوْر، وتُروع النفس، وتُذل الكرامة، وتقلب موازين الفهم والوعي والقيم.. فبعد الاستقلال قامت الانقلابات العسكرية واختطف العسكر مقاليد الحكم فأصيب الفرد العربي بالفقر.. ثم صارت هزيمة (67م) فكُسرت كرامته وتم إذلاله.. ثم قامت ثورة الخميني الشيعية فأحيت المذهبية، وصعّدت التيار الديني السني الذي واجهها بالتشدّد والتطرف والإرهاب فأعيقت التنمية.. ثم قامت حرب الخليج الأولى ثم الثانية التي حولت المجتمع العراقي الذي اخترع الكتابة وكَتَبَ القانون إلى مجتمع مذهبي بامتياز يدعو إلى ثارات «الحسين».. ثم صارت غزوة نيويورك التي جعلت أمريكا تقرِّر تفجير الربيع العربي الذي دمَّر عشر دول عربية حتى الآن.. لقد عاش الفرد العربي مخاضاً مؤلماً لم ينته منه بعد.
5 - في خضم ذلك الإعصار الذي عاشه ولا يزال يعيشه الفرد العربي، كيف له أن يبني ثقافة أو يحدد فكرة أو تكون له رؤية؟ فغايته البقاء لا أكثر ولا أقل.. حتى كرامته تنازل عنها في سبيل أبنائه.. إنه يتألم حتى فقد عقله، وصار يرى حسناً ما ليس بالحسن.. أما أبناؤه فقد مر عليهم جيل كامل قضوه باللجوء والهروب.. وانقطاع التعليم، وصاروا يعيشون بلا رعاية اجتماعية، ويعتمدون على الصدقات والإغاثة الدولية المهينة حتى فقدوا ما تبقى لهم من كرامة إنسانية.. وأصبحت الجريمة والكسب غير الشرعي وسائل البقاء المتبقية لهم.. ونحن اليوم نرى بشائر جيل بلا تعليم أو تاهيل.. وثقافة جيل يميل إلى الفهلوة والنصب والاحتيال والإجرام ليعيش.. وليس لك الحق في لومهم.
6 - الحكم العسكري القمعي الذي استبد بمعظم الدول العربية يدّعي أن محاولاته لتحديث البلاد واجهت مقاومة من قبل الأحزاب الدينية التي تريد العودة إلى الماضي ومحاربة الحداثة.. لذلك انشغلت بمحاربة التجمعات المذهبية والقبلية والمناطقية وبالذات الساعية إلى السلطة أو الداعية إلى الانفصال.. فتوقفت عجلة التنمية، ووُجِد العذر لهذه الدكتاتوريات للتسلط والاستبداد.. واضطر الفرد العربي إلى الانحياز إلى طرف ضد طرف، فانقسم المجتمع إلى تحزبات تحارب بعضها بعضاً.