رمضان جريدي العنزي
الكساد لا يكون فقط في الأسواق التجارية، ولا في البيع والشراء، ولا في الصناعة، ولا في الزراعة، ولا في الاستثمار، ولا في الأرباح، ولا في الصادرات والواردات، ولا في الإنتاج والاستهلاك، لكنه أيضاً يكون في الأخلاق والسلوك، إن الكساد الحقيقي هو في إعوجاج السلوك، وانحراف التعاملات، والتناقضات البائنة، ثلة من الناس انهارت لديهم القيم الإنسانية، والأخلاق الحسنة، والسلوك القويم، فأصبحت أرواحهم خاوية خالية يهيمون في الحياة بلا هدف، ويلهثون خلف سرابات خادعة، يتخبطون يمنة ويسرة، مفلسين روحياً وفكرياً، وليس لديهم غير تصرفات هشة واهنة، إن الإفلاس الأخلاقي والسلوكي يؤدي إلى الإفلاس الروحي، وأن تجرد الإنسان من قيمه ومبادئه يعني شرخاً كبيراً في روحه لا يندمل.
إن الكاسدين أخلاقياً وسلوكياً لا يعرفون إلا إلحاق الضرر بالناس، يعيشون الكساد الأخلاقي والسلوكي والنفسي، لا يعيشون الطمأنينة الروحية، ولديهم هزات نفسية قاسية ومرعبة، إن الأخلاق الحسنة سمات الإنسان الحقيقي، بها يرتقي ويعيش ويتعامل، وحسن الخلق من أجمل منح الله وعطاياه للإنسان، وأن سوء الخلق مثل الرماد والسواد، تمحق العمل، وتنفر الناس، وأصحاب الأخلاق السيئة لا عمل لهم ولا هم سوى السعي بين الناس بالنميمة والأذى والفساد، إن المرء لا يوصف بحسن التدين إذا كان قلبه قاسياً، وعقله غاوياً، ولا يوصف بحسن الصلاح من أفسد قلبه الهوى، التدين الصالح أساسه صحة القلب والعقل والجوارح، والعبادات تبلغ ذروتها إذا أنتجت الخلق العالي، والسلوك المستقيم.
إن المفلس في ديننا الإسلامي الحنيف من يأتي بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح في النار، كما أخبرنا بذلك نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، إن الارتباط يجب أن يكون وثيقاً بين العبادة والتعامل والسلوك، إن على الكاسدين أن يزيلوا الغبش من أعينهم، وأن ينفضوا من على أجسادهم الأدثرة الثقيلة، ويحركوا أرواحهم البائسة، وأن يعيشوا الصفاء الإيماني، والتعامل القيم مع الناس، والابتعاد الكلي عن منغصات الحياة، والسلوك التعيس، والاتجاه نحو العفاف والفضيلة، والطهر والنظافة والبياض.