عبد الله سليمان الطليان
هناك صورة سامية لقيمة العمل والحث عليه في الإسلام تتجسد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه، وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)، يرسخ هذا الحديث على أن الإسلام دين عمل وإنتاج، وذكر نبي الله داود دون سائر الأنبياء لأنه كان غنيًا عن التكسب وليس في حاجة إلى العمل لتوفر المال لديه، ومع هذا فلم يرضَ أن يأكل إلا من عمل يده، فيكون غيره إذا أولى بذلك
والقصد المبني على الخير في قوله (من عمل يده) يشمل الدنيا والآخرة، في الدنيا يعود النفع على العامل، وعلى غيره ممن يصل إليه نفعه، كذلك بالعمل يحفظ الإنسان وجهه ويصون كرامته من المذلة لإنسان آخر، وأما في الآخرة فبما يحصله من الثواب العظيم، حيث استجاب لله ورسوله فسعى في الحياة، وبذلك حظي بشرف العمل ومثوبته.
إن مهمة الإنسان في هذه الحياة هي إعمار الأرض فإن ذلك لن يتحقق إلا بالعمل من أجل بلوغ الهدف، فالحياة بلا عمل موات. والإنسان أعطاه الله من القوى والطاقات ما يجعله قادرًا على قيادة سفينة الحياة بالعمل الجاد المنتج الذي يعود على الفرد والمجتمع بالخير العميم.
ولا يجوز أن نستهين بأي مهنة أو حرفة مهما بدت لنا ضئيلة القيمة فإنها في النهاية لها أهميتها في حركة الحياة ككل ولا تستقيم الحياة من دونها، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم ولم يعدها مهنة مهينة، وأخيرًا ليس من المقبول ولا من المعقول أن يستخف الإنسان بقيمة العمل وأهميتها البالغة للحياة والأحياء.. فلا خير في إنسان لا يعمل، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى في المسجد رجلاً يتحامل على الناس فسأل عنه فقالوا له: هذا عابدنا.. فسأل عمن يرعاه ويؤكله؟ قالوا: كلنا يا رسول الله، فقال: كلكم خير منه.. وهذا يعني أن ترك العمل بحجة العبادة يعد لونًا من ألوان التنطع في الدين، فالعمل نفسه عبادة، لأنه امتثال لأمر الله تعالى للإنسان بإعمار الأرض وصنع الحضارة.