عبده الأسمري
منذ أن اعتنقت فعل الكتابة أصبحت لي «رئة» ثالثة أتنفس من خلالها الحروف وأستنشق من رياحينها الكلمات أقمت في ثناياها واستقمت أمام خطوطها واستلهمت من حظوظها وتوجست من محاذيرها وتشربت من ينابيعها..
على خطوط طويلة ودروب متعاقبة ومراحل متوالية وما بين مد التحدي وجزر التأني نصبت شراع «الفكر» عالياً على مركب سيظل سائراً وسيبقى منتصراً رغماً عن «أمواج» التحديات و»موجات» التغيرات فظللت حريصاً على أن أصل إلى «الهدف» وأيقنت أنه لا بد من «ثمن» مدفوع ما بين «الممنوع» الذي يجيش أمامك الأعداء أو «المشفوع» الذي يهيئ لك الفضلاء وسط حرفة أوعدت الله ثم نفسي أن تكون أمانة قبل المكانة ويقيناً قبل التمكين.
أرى هذه الزاوية «الأسبوعية» تنتظر ما تجود به أفكاري بفضل الله الذي يصنع «التوفيق» وأراها فارغة حتى تتبارى في عقلي «العواصف الذهنية» و»العواطف الذاتية» فأتمعن في اسمها «حياد» الذي يجبرني على أن أقيس «المسافات» جيداً ما بين رؤية خاصة وبين هوية عامة لأبحث عن «ميزان» قوامه «الإخلاص» للنزول إلى ميدان «البشر» ومعايشة همومهم ومنازلة مطالبهم في حين يظل «الخيار» متأرجحاً بين مقال يدخلني في متاهات «الإيقاف» أو آخر يضعني في مدارات» الانحياز» حينها أضع «المقياس» على درجة «الاتزان» وأثبت «الركض» على معيار «الإنصاف» مستنداً على جمهور قراء يبحث عن «المصداقية» التي تبقى «الظلال» الوارف الذي يجعل «الكتابة» في مأمن عن «الشبهات» ومنأى عن «الزلات»
وما أن أبدأ مسودة الكتاب حتى تتردد في أذني تلك التوجيهات الأولى التي وضعها أمامي رئيس رؤساء التحرير الأستاذ خالد المالك والذي تعلمت منه حدود «المنع» وخطوط «الحذر» والتي ظللت أسير بجانبها هرباً من «ممنوع من النشر» أو «غير صالح للنشر» أو «نحتاج مقال بديل» لذا فإن هذا المنهج يعلمك أن بعض الكتابة تظل «سراً» بين الكاتب وذاته وبعض «المكتوب يبقى «خفياً» بين الفاعل ونفسه..
سنوات طويلة وأنا أرى سقف الحرية في هذا الوطن المعطاء يرتفع ويبقى الكاتب الحصيف من يقيم تلك الجدران الثابتة والتي يرفع معها قواعد السقف وفق الأفق المتاح من التقيد بالدين وطاعة ولي الأمر واحترام مؤسسات الدولة وتقدير القيم لذا فإني إن تجاوزت ذلك وتم منعي أو تحذيري فهو من باب حرص شخصي ومن منطلق استشعار مهني حتى أني في معظم مقالاتي العميقة عن المجتمع أشعر في نهايته وكأنهم يكتبون معي مما يعكس «الشعور» العميق بهم..
تصنع الكتابة «الخبرة» في الطرح وتصيغ «البصيرة» في الرأي لذا فإن المنطق المهني والمنطلق الاحترافي يلزم الكتاب «بأن يكونوا سفراء» للناس وأصوات حق تنطق بلسانهم وأصداء مطالب تستنطق حالهم بعيداً عن التجريج أو التشهير أو البحث عن «شهرة» على حساب مجتمع أنت مسؤول عن رصد مطالبه وتوظيف آماله في توصيف للحال ووصف للحل وفق رؤية تضعها كصاحب قلم ومالك علم ومؤدي رسالة.
تعلمت حدود «المنع» الذي جعلتني أكتب بين حدي «الجرأة» و»الحقوق» وحين علمت أن هنالك أوجاعاً خفية تحتاج من يلملم شتاتها ومن يرمم اتجاهاتها كتبت من الناس وإليهم واتجهت إلى «النفع» من خلال بصائر «الخبرة» لقراءة مصائر «الخيرة» في دروب حياة ومحطات عمر لبشر يرون في الكتابة عنواناً أول للنصح ومحفلاً أمثل للنضج في مواجهة المشكلات ومجابهة العقبات.
يجب أن يعلم كل كاتب أن هنالك أبعاداً متعددة في الكتابة وزاويا حادة وعتمات متزايدة تحتاج إلى ضياء «القلم» وإمضاء «الرأي» وصوت «النصيحة» وصدى «المنفعة» فالقراء من كل الشرائح ومن شتى الطبقات والكل يحتاج إلى إضاءات تنير الدروب من خلال الحروف والكلمات والعبارات التي تشكل لهم «منافذ» ضوء ترشدهم إلى الأمان وتجيبهم عن أسئلة تستعمر ذواتهم القابعة في حيز «الحيرة» لنقلهم من غمة «الانتظار» إلى همة» الاختيار «.
الكتابة منهجية راقية تسهم في صناعة «الأمل» وفي صياغة «الحلول» وفي تعديل «الأحوال» وفي جلب «المنافع» وفي ارتقاء «الدوافع» وفي إجابة الحائرين وفي إغاثة المهمومين فهي وسيلة «البوح» وغذاء «الروح» لذا فإن الكتاب أمام ميادين تنتظر جولات ناجحة تصنع الفارق أو محاولات اعتيادية توقف الهدف..