عبده الأسمري
ما بين ما يطلبه المستمعون إلى ما يحبذه المشاهدون أقام صروح «الذوق» على أرضية «الذاكرة» وبنى طموح «الذائقة» من أسبقية «المثابرة» ففاح عبير سيرته في ثنايا «الزمن الجميل» وتردد أثير مسيرته في عطايا «الذكر النبيل «
أوفى للمذياع فنال الإبداع واستوفى الإمتاع ليبقى «الوجه» الإعلامي في هوية «الأعداد» و»الوجيه» المهني في هيئة «التقديم»..
وجّه بوصلة «أمنياته» نحو التلفاز وولى قبلة «أحلامه «شطر» الإذاعة فجاد بالصوت وأجاد بالصدى ليشكل «المدى» الذي وصل إلى آفاق «الاستذكار» واحتل «متون» الاقتدار» كاسباً أصوات «الجمهور» وحاصداً أذواق «المشاهدين»..
إنه المذيع الراحل خالد اليوسف رحمه الله أحد أبرز المذيعين في التلفزيون السعودي والإعلام الخليجي..
بوجه ذي تقاسيم باسمة وملامح مألوفة تقتسم مع عائلته البهاء وتتقاسم الزهاء وطلة مهنية تشع منها ابتسامات «الطيبة» وتنبع وسطها «سمات» المهنية وكاريزما تعكس صفاء القلب وتبرهن نقاء الداخل وأناقة تعتمر البياض بتشكيل شخصي عامر بالترتيب وغامر بالتأنق وصوت خليط بين هدوء يجلب الارتياح وجهر يبرز النجاح ولسان فصيح يستند على «مخزون ثقافي» و»مكنون معرفي» وفصل خطاب في الأعداد وأصل جواب في التقديم وتناغم لفظي فريد يعتمد على «شوق للعطاء» ويتعامد على «تذوق للأداء» قضى اليوسف من عمره عقوداً وهو يملأ الشاشات الفضية بالإنتاج ويبهج السمعة الذهبية بالاستذكار ويتسيد الميادين الرسمية بالتغطيات ويعتلي المنصات الإذاعية بالنشرات مذيعاً وإعلامياً ومهنياً أفنى عمره في خدمة مهنته فكان «العدد» الصحيح في معادلة «المؤثرين» والناتج المستحق في متراجحة «المبدعين» واسماً اتفق المراقبون على مهارته وتناقلت الأجيال مواهبه وقد اكتمل الفلاح في حياته بدراً فأشبع الذكرى بذكر مشفوع بالأثر وفكر مسجوع بالتأثير..
ولد عام 1367 في أحد أحياء مكة المكرمة ونشأ وسط أسرة حانية متفانية ووالدين كريمين أشبعا قلبه الصغير بتوجيهات «الحسنى» واتجاهات «المحاسن «فنشأ مخطوفاً إلى «سكينة» اعتمرت وجدانه و»راحة» استعمرت عقله حيث ظل يرتوي من منابع المواسم ومنافع المراسم هدايا المكان وعطايا الزمان من أعماق الشعور إلى آفاق المشاعر
ركض مع أقرانه في أحياء جرول وأجياد والشبيكة والشوقية وتعتقت نفسه بطهر زمزم وشذى العود المكي وتشربت روحه عبير «الروحانية» أمام الملتزم وأثير «الطمأنينة» حول الحطيم مراقباً جموع «الحجاج» أمام نفق المعيصم ومجاميع المعتمرين قرب شعب عامر فاكتملت في ذهنه «الصورة» المشرقة للطفولة و»الحظوة» الفارقة للتربية وامتلأت كراسته الملونة برسومات البراءة وأمنيات العفوية وظل يملأ مساءات عائلته بمحاولات بريئة لتقليد أصوات المؤذنين من خلال مكبرات المسجد الحرام وبروفات جريئة لمحاكاة أصداء المذيعين في نداءات مذياع أسرته العتيق الذي كان «جامعة» منتقلة نهل منها أولى أحلام البدايات ليملأها واقعاً في حقائق المسارات التي بدأها متدرباً وأنهاها نجماً يشار إليه بالبنان..
التحق بالدراسة في المعهد العلمي الزاخر بتخريج الكفاءات ودرس اللغة العربية ونال العديد من الدورات وكان شغوفاً بالإذاعة وظل يرتقب برامجها ويحاكي رموزها حتى أفضى إلى أسرته «أحاديث» الدوافع بالمضي نحو «أحداث» المنافع ليولي اتجاه أحلامه قبالة الإعلام حيث كان يدرس صباحاً اتباعاً لدور «العلم» ويعمل ليلاً ارضاءً لشغف «الذات» فبدأ «الشاب» الطموح في عام 1385 رسم خارطته العملية بحدود «التعلم» حيث ظل يقتنص «المهارة» في صوت عبدالرحمن الشبيلي رحمه الله ويرصد «الموهبة» في صدى عبدالرحمن يغمور رحمه الله..منتشياً صباحات «الاعتناء» في كل إفادة طلبها منه مدير الإذاعة والتلفزيون حينها عباس غزاوي رحمه الله أو إشادة وردته على «جناح» الدعم من الوزير جميل الحجيلان.
اقترن اسم اليوسف بأولويات عدة حيث كان أول مذيع يظهر على شاشة تلفزيون الدمام بعد شهور قضاها خلف المذياع وفي بداياته اشتهر بقراءته لإحدى نشرات أخبار إذاعة «البي بي سي» من لندن.
شق طريقه وسط «عمالقة» التلفاز حينها تاركاً لأنفاسه الطويلة تشكيل أبعاد ركضه المتواصل بلياقة مهنية ولباقة لفظية حيث برع في تقديم البرنامج الشهير «ما يطلبه المستمعون» وبرنامج «من الماضي» وظهر مقدماً لنشرات الأخبار في التلفزيون السعودي إضافة إلى تغطياته المتعددة في زيارات الملوك وكبار المسؤولين إلى الخارج وكان من أوائل المذيعين الذين وصلوا لأرض الكويت وقاموا بتغطيات ميدانية بعد التحرير.
كان اليوسف من ضمن الجيل الماسي للتلفزيون السعودي والذين شهدت لهم أروقة الإعلام واعترفت بهم منصات المهام لأنهم أجادوا اللعب في كل «المراكز» المهنية وتحول بعضهم إلى مدراء فنيين يورثون «التكتيك» المهني من الأساتذة إلى التلامذة.
سنوات طويلة أمضاها اليوسف في خدمة وطنه من خلال «المنابر» الإعلامية والتي اجتاز من خلالها «المعابر» المهنية حتى قطف «السبق» في ميادين التنافس وترك «العبق» في مضامين التفوق..
أضاء اليوسف ردهات «البدايات» بقناديل «المبدع» وأنار محطات «الخدمة» الوظيفية بكفاءة المتحمس وإجادة المتمرس تاركاً الإضاءات لامعة والإمضاءات ساطعة والبصمات نافعة والذكريات شافعة في مسيرة كتبها بحبر «الصبر» ووثقها بجبر «المصابرة».
تعرض اليوسف إلى جلطة دخل على إثرها مستشفى دلة بالرياض وانتقل بعدها بأيام إلى رحمة الله في الثامن عشر من شهر ذو القعدة عام 1438 الموافق 10 أغسطس عام 2017 وتمت الصلاة عليه بجامع الراجحي وَوُوْرِيَ جثمانه ثرى مقبرة النسيم.
رحل اليوسف عن الدنيا ونعاه المسؤولون والزملاء والأصدقاء وتصدر خبر رحيله واجهات الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة التي اتفقت على «صفات» الفقيد» و»مناقب» الراحل وانعكاسات الفقد وتداعيات الرحيل وتجلت في فضاء العزاء مناقبه ومواهبه ومآثره التي كانت العنوان الأول في تفاصيل دعوات ظلت مرافقة لذكره ومقترنة باستذكاره..
خالد اليوسف المذيع المتألق والمقدم الأنيق والأنموذج «القدير» الذي ترك «التقدير» الإنساني في القلوب وأبقى «العبير» المهني في العقول..