د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يمر العالم بتحولات عميقة، وتسببت جائحة كورونا في تعطل الإمدادات العالمية في جميع القطاعات، وكذلك الحرب الأوكرانية تسببت في تعطيل إمدادات كثير من المواد الخام والزراعية تأثرت نتيجة ذلك قطاعات صناعية كثيرة جدا وعلى رأسها السيارات بسبب تأثر إمدادات أشباه الموصلات في زمن الجائحة، وبدأت هناك مطالبات بالتصنيع الوطني لمثل تلك الصناعات المهمة.
لن تستمر الصين مصنع العالم، فلم يعد عامل رخص الأيدي العاملة كعامل تنافسي مستدام، بل ستدخل عوامل أخرى منها تقنية ستقلص من هذا العامل، لكن يبقى العامل اللوجستي من العوامل المهمة جدا، بل المستدامة الذي يقلص من تكاليف النقل وسهولة الوصول، وهو ما تتمتع به السعودية الذي أغفل فترة طويلة من الزمن، لكن أكد عليه قائد الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، وهذا الموقع اللوجستي تاريخيا كانت شبه الجزيرة منطقة عبور للتجارة العالمية، وكانت الدول الاستعمارية عبر التاريخ تحاول السيطرة على مداخل البحر الأحمر والخليج العربي.
لذلك تطمح السعودية أن تستثمر هذه الميزة وتحولها إلى ميزة تنافسية بأن تصبح أكبر 15 اقتصادا بالعالم قبل 2030 مما يتطلب أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للسعودية إلى 1.7 تريليون دولار، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 43.5 مليار دولار إلى 267 مليار دولار، والتي بلغت 97.7 مليار دولار في 2021، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، حيث ارتفعت نسبة الصادرات غير النفطية إلى 73.3 مليار دولار في 2021، لكن بحسب رؤية المملكة 2030 عليها أن ترتفع إلى 500 مليار دولار، وهذا يتطلب تحولات جذرية لتحقيق هذا المستهدف، حيث تبلغ الصادرات الألمانية 1.25 تريليون دولار.
لتحقيق هذا التحول ودعم ميزة الموقع اللوجستي تماشيا مع التحولات الاقتصادية العالمية، فإن السعودية توجهت نحو توسع استخدام الذكاء الصناعي، حيث حققت السعودية المركز الأول عربيا، والثاني والعشرين عالميا في الذكاء الصناعي.
لذلك تهتم السعودية باستضافة أول مؤتمر دولي للذكاء الصناعي والحوسبة السحابية في 22 مايو 2022 بمشاركة رؤساء التقنية في الشركات الحكومية والخاصة المحلية والعالمية، حيث هناك دراسة أعدتها شركة بي دبليو سي أن الزيادة الإنتاجية تقدر بـ6.6 تريليون دولار، بينما تبلغ العوائد الاستهلاكية 9.1 تريليون دولار عبر أنشطة الذكاء الصناعي والحوسبة، بسبب أن العالم يعيش تغير طفيف لاستخدام عالم الذكاء الصناعي الذي سيحدث ثورة في جميع جوانب الحياة والعمل والطب والاقتصاد والاتصالات، وهناك دراسة قدمتها شركة أكسينشر الأمريكية إلى أن الذكاء الصناعي والحلول المستندة يضيفان 215 مليار دولار إلى اقتصاد السعودية مع حلول عام 2035، ستكون الإضافة الأكثر لقطاعي الصناعة والخدمات العامة، حيث يسهم التحول الرقمي في تحسين بيئة العمل في قطاع النفط والبتروكيماويات.
وستدخل السعودية سوق صناعة السيارات الكهربائية وتهدف شركة لوسيد تصنيع ما يصل إلى 150 ألف سيارة سنويا عند أقصى طاقة بعد نجاح الشركة في إنتاج وبيع السيارات بالولايات المتحدة وفقا لوكالة بلومبيرج، وهو أول مصنع خارج الولايات المتحدة بجانب مصنع بولاية أريزونا.
ويملك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة نسبتها 67 في المائة مع شركة لوسيد التي أدرجت في سوق الأسهم الأمريكي في 2021 بحجم استثمارات 1.3 مليار دولار، حيث ترغب السعودية الانضمام إلى هذا السباق، خصوصا وأن العالم سيشهد طفرة غير مسبوقة في إنتاج السيارات الكهربائية، ووقعت السعودية مع الشركة شراء 100 ألف سيارة على مدة العشر السنوات المقبلة، التي تتماشى مع مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وكذلك تعكس جهود الدولة لتنويع أسطولها بهدف تقليل انبعاثات الكربون، وبشكل خاص في نيوم، ومن المتوقع بدء تسليم المركبات في موعد لا يتجاوز عام 2023، وهذه الشركة تنافس شركة تيسلا.
فالسعودية لتحقيق هدف أن تكون الـ15 اقتصادا في العالم تركز في زيادة جودة وحجم الاستثمارات مما يسهم في الدفع بالتنمية الصناعية والاقتصادية وتنويعها في إطار رؤية 2030، حيث تستهدف تحقيق استثمارات تراكمية تزيد على 12 تريليون ريال بحلول 2030 منها 5 تريليونات من مبادرات ومشاريع برنامج شريك و3 تريليونات من صندوق الاستثمارات العامة مخصصة للاستثمارات المحلية و4 تريليونات ريال من استثمارات الشركات الوطنية والعالمية المتنوعة.
ومن المتوقع أن تتحول السعودية إلى مركز رئيس للصناعة الإقليمية والعالمية.