د. إبراهيم بن جلال فضلون
جزء كبير من الهيمنة الأمريكية على العالم. سرهُ المُعلن هيمنة عُملته السوقية على الاقتصاد العالمي.. كأقوى عملة أرغمت الدول على التعامل به، كعُملة رئيسة يتم تحديد باقي العملات بناءً عليها، على الرغم من رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي «البنك المركزي» سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف نقطة مئوية في أكبر زيادة خلال 22 عاما، منذُ الأزمة المالية عام 2008 والركود العظيم، الذي أبقى الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية عند صفر في المائة أو بالقرب من 0.25 في المائة. وفي السنوات التالية، وبالتالي استخدام الفيدرالي السياسة النقدية للمساعدة في تحقيق أقصى قدر من العمالة واستقرار الأسعار، بل ونوه الفيدرالي برفع الفائدة ست مرات خلال العام الجاري.
ولكن لماذا لا تقوم هذه الدول بفكّ تلك الزيجة من الدولار وإلغاء التعامل به؟، والجواب بسيط لأنّ الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم ليس موجودًا لحراسة الفراغ أي (الدولار-القوة الاقتصادية)، التي بدأت قصتها عام 1620 مع إبحار السفينة مايفلاور من روثرهيث بشرق لندن إلى العالم الجديد حاملين ذهبًا وعملات إنجليزية، لم تنفع وفق مؤلف كتاب (العملة الخضراء: الدولار القوي واختراع أمريكا) جاسون جودوين، قائلًا: «لم يكن لديهم أي نقود، ولم يكونوا من الأثرياء عند وصولهم. وأصبح التبادل أمرا محرجا بين المستعمرين أنفسهم، وبدا من المناسب مقايضة الأشياء، لكن بعد وقت قصير ظهرت تبادلات مُعقدة أبرزت ما يحمله المال من نفع كبير»، لتظهر الأوراق المالية باسم Continentals (ومعناها الحرفي: القاري)، ما لبس أن صار لا قيمة لها، وكان لزاما على الجمهورية الجديدة وضع نظام اقتصادي ومالي على نحو عاجل، فصدر الدولار في 6 يوليو 1785 عملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية الجديدة، وأن يكون النظام عشريًا ليعادل الدولار مئة سنت، ليبدأ سك الدولار عام 1792، وطباعته ورقية باللونين الأسود والأخضر، بعد سبعة قرون أُخرى منتصف عام 1862، ليظهر الدولار في عالمنا مُهيمناً، لكن مع فترات الأزمات العالمية والتضخم بدأ كثير من دول العالم تنحي الدولار من تعاملاتها، ظهر أغلبها كحرب مفتوحة في سلسلة تهديدات منها الصين، وغيرها ثُم أخيراً إعلان إيران وروسيا، حيث قال رضائي: «اتفقنا مع روسيا على كسر هيمنة الدولار، وحذفه من كل التعاملات التجارية بين البلدين، في مجالاتٍ عديدة، على رأسها مجالات الطاقة والتعاملات التجارية والنقل».
إذن تدهور مكانة العملة الأمريكية، أمر شبه مؤكد مع تدهور القوة الاقتصادية والتجارية منذ فك الارتباط بين الدولار والذهب سبعينيات القرن الماضي، وقامت بطباعة مزيد من الدولارات، نتج عنها زيادة التضخم في الأسواق، وأدخل النظام النقدي الدولي المستند للدولار في أزمة شديدة، وتحول العالم من نظام أسعار الصرف شبه الثابت الذي تقرر في اتفاقيات بريتون وودز عام 1944 إلى نظام أسعار الصرف المعومة عام 1973، وحتى بعد ارتفاع أسعار النفط نفس العام، وقد استمرت دول العالم في مراكمة الاحتياطيات الدولارية، وعزز من هذا الوضع بزوغ اليابان كقوة اقتصادية جديدة جبارة وأكبر بلد حائز للدولارات بعد الصين، تبعتهما بلدان آسيا الناهضة اقتصاديا منذ أوائل الثمانينيات حتى منتصفه وبروز الصين كقوة تجارية دولية برزت هي الأخرى، كبلد يُحقق فوائض هائلة في ميزان مدفوعاته، يحتفظ بأغلبها في شكل دولارات، ليجد الدولار أعداء له حتى من الاتحاد الأوربي، وإطلاق عملة اليورو، ثم إنشاء الصين لبورصتها باليوان فقط في خطوة تمثل ضربة قوية لاحتكار «البترودولار»، ثم اتفقت دول من بينها روسيا وتركيا وإيران والصين والهند وباكستان على تعزيز تعاملها بالعملات الوطنية لتقليص اعتمادها على الدولار في تعاملاتهم التجارية والاستثمارية، ليكون ضعف هيمنة الدولار مسألة وقت، ولا سيما أن أميركا لا تستطيع منع ذلك بقوتها العسكرية لمواجهة دول عظمى كالصين وروسيا حتى بعد التطورات المُتعلقة بالحرب في أوكرانيا، فالأمس اجتمع البنك الفيدرالي الأمريكي لزيادة الفائدة على الأقل 1 في المائة كي يُلملم جراح الدولار وفضيحته... أقصد التضخم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مما يؤثر في كل اقتصاديات الدول الناشئة، ليتعداه وفق وزارة الطاقة والبترول الأمريكية مصيبتها بأن مخزون البترول الأمريكي في أقل مستوياته من 30 سنة ولا طاقة لهم لوقف نزيف خسائره وسط قلق المستثمرين من تأثير الصراع المتصاعد في أوكرانيا على الآفاق الاقتصادية لمنطقة اليورو، بينما واصل الروبل الروسي تراجعه لأدنى مستوى على خلفية الضرر الجسيم الذي لحق بالنظام المالي الروسي بفعل العقوبات الغربية القاسية عليه، وكل ذلك يضع المزيد من الضغوط على الدول ذات المديونية الكبيرة، وتصبح تسدد الدولار بقيمة أعلى، ومن المتوقع أن ترتفع الفائدة الأمريكية خلال العام لتصل إلى 2 في المائة كما يوجد مراجعة في ظل معدلات التضخم الحاليةتصل إلى 3 في المائة. بل وحذرت كبرى البنوك العالمية من دخول الولايات المتحدة في انكماش اقتصادي وركود، بحلول العام المقبل؛ حيث بلغ التضخم أعلى مستوى له في 41 عامًا عند 8.5 في المائة، كما توقع بعض الاقتصاديين والخبراء أيضًا أن ينهار الاقتصاد.