صبار عابر العنزي
الضمير اليقظ الحي هو ذلك الذي يشغل العقل ويحاسبه، بل يجلده إذا تجاوز, فالضمير النقي الفطري به تصان حقوق الناس وتحرس به الأعمال من دواعي التفريط والتمادي فيما يغضب الله أو يجرح شعور الآخرين...
وما أن يقع الخطأ حتى تظهر النفس اللوامة فلا يوجد في الحياة مالا يحمل جانبًا من الندم فالفرد يعيد التفكير في أمر ما حدث مرارًا وتكرارًا، ويشغل باله في افتراض ما كان ليحدث «لو» تصرف على نحو آخر أو قال شيئًا آخر...
ومشاعر الندم من الممكن أن تكون عبئًا مؤلمًا يفسد عليك الحاضر، بسبب أنك حزين وتغلق على نفسك في حدود الماضي...
فإذا وجدت أنك خاضع بشكل كبير لمشاعر الأسف والندم، فتعرف على مشاعرك، وتعلم كيفية مسامحة نفسك، واحرص لأن تخطو بحياتك للأمام لتكفر عن هذا الخطأ بعمل الصح.
يحكى أن سيدة ذات حسن وعفاف خرجت كعادة النسوة في عصر من العصور يذهبن إلى حمام للاستحمام والتنظيف والتزين بأيدي نسوة, فتاهت بالطريق وتعبت من طول المشي, فرأت رجلا على باب داره فسألته عن حمام منجاب فقال: هو ذا, وأشار إلى باب داره, وكان باب داره يشبه باب هذا الحمام...
فلما دخلت أغلق الباب, فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشر والفرح باجتماعها معه وقالت (لتخدعه) وتتخلص مما هي فيه وخوفا من فعل الفاحشة قالت له: اذهب اشتر لنا شيئاً من الطيب وشيئاً من الطعام وعجِّل العودة فأوهمته بأن لها الرغبة فقال سآتيك بما تريدين...
وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها لأنه كان واثقا بها وبرغبتها, فاشترى الرجل ما يليق ورجع إلى المنزل فوجدها قد خرجت وذهبت, فندم وكُره الفعل بعد القيام به، وهو الأسف والحَسرة على أمرٍ انقضى, وصار يمشي مهزوما كئيبا بين الأزقة وهو يقول:
يا رُب قائلة يوما وقد تعبت
أين الطريق إلى حمام منجاب
فبينما يقول ذلك إذا جاريته تقول له:
هلاّ جعلت سريعاً إذا ظفرت بها
حرزا على الدار أو قفلا على الباب
وبقي قلبه يلومه ويجلد ذاته ويعيد هذا البيت «يا رب قائلة» ما تبقى من عمره حتى لحظة وفاته وهو في حالة ندم على ما فعل رغم نجاة من هذا الجرم...
وهناك قصة أخرى ولكن بشكل وقالب آخر إذ اشتد على البادية حالة من الضنك بعد أن شحت الأمطار وضعف الحلال وانتشرت الأمراض اجتمع عقلاء وحكماء أهل المقطان واتجهوا إلى دخيل الله بن شتيوي السبيعي وهو رجل صالح كما كتب الراحل سليمان الفليح وقالوا له: صلّ بنا صلاة الاستسقاء واطلب لنا ربنا بالغيث فأخذ يمشي إلا أن استقر فوق تل قريب ووقف ورفع يديه إلى الأعلى وقال:
يا رب ارزق قومي بالمطر (إنني لا أذكر أنني قد فعلت في حياتي ما يغضب وجهك الكريم) إلا تلك الـ(هنيهنة) أي تصغير (هنّة) وهي الخطأ البسيط، ثم شرع بالصلاة واستغاث وما أن انحدر هو وقومه من التل حتى كان المطر يسبقهم إلى المضارب بأمر من العزيز الكريم جلت قدرته فارتوت القبيلة وشربت الإبل وركض الصغار تحت المطر...
وحينما التف القوم في المساء في مجلس ابن شتيوي سألوه عن تلك (الهنة) التي ارتكبها في حياته فقال: نهضت ذات يوم لـ(اصطبح) قبل بزوغ الفجر وكانت الرؤية ضبابية في ذلك اليوم فحلبت إحدى نياقي وشربت من حليبها فجاء إليّ الراعي مسرعاً وقال يا عم لقد حلبت ناقة ليست لنا بل دخلت (هميلة) بين إبلنا, فغضب دخيل الله من تلك الغلطة (الهنة) وحاول أن يستفرغ الحليب الذي شربه لأن الناقة ليست له وهو لم يشرب أو يأكل الحرام في حياته...