د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
- في ليلة تكريمه في عنيزة كانت هذه الكلمة التي لا يكتبها إلا إبراهيم التركي وقد ألقاها أمام الحضور/المحرر:
بسم الله الرحمن الرحيم
{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (61 - 62) سورة الفرقان.
- -
أما قبل
فبضع حكاياتٍ سريعةٍ
أولاها: تجيءُ اعتذارًا، ترومُ مسارًا، تحاكي مزارًا، تجسر دربًا، تؤصل حبًا، فيتماهى الإنسان بالمكان.. ويلتقي الأجملان:
* *
لم أنأ عنها فهل أبصرت وجه أبي
وقلب أمي ولون الريح في شغبي
وهل رأيتَ مزارًا ضم موعدنا
لما أتيتُ وما جاءت ولم تغبِ
وهل أنا ذلك الأنقى بلا أمل
أم أنني ذلك الأشقى بلا سببِ
قالت: وهل أنت ما قد كنتَ؟ أي غدٍ
تريده؟ وربيع العمر لم يطبِ
عد.. لا تعِد.. وانس أيامًا غدت وطنًا
للذكريات.. فما كهل بروح صبي!
* *
الحكاية الثانية
وصلٌ بالذكريات يسيرها وعسيرها؛ فلم يولد بملعقة ذهبٍ آنسته أو أنسته بل بين خزائن كتبٍ أشجته وأشقته فسعد بالخشب ولم يرنُ للنشب، ويستعيد فيستزيد، ويكتفي بسبعة عشر عامًا متصلةً في مفتتح حياته عاشها بين «الخريزة وسوق القصر والجوز والقرعاوية».. وستعلمون ألا دور له لولا ذوو الفضل في هذه المدينة الفاضلة، وسيرجئُ الأسماء والتفاصيل، والتربة والتربية لسيرةٍ قد يكتبها إذا فسح الله في الصحة والأجل.
* *
الحكاية الثالثة
في عمره المبكر لازم والده -رحمه الله- كظلّه فعرف الكِتاب والكُتّاب، وتابع الثقافة والمثقفين، واختلط بأساتذة العلم وشيوخ الدين، وأدخله المدرسة مستمعًا فأحاله معلم الصف الأول منتظمًا، ومن تحت شجرة السدر العريضة في مدخل المدرسة الفيصلية ابتدأ الطريق؛ فلمن يُعزى الفضل؟
* *
الحكاية الرابعة
كتب له معلم الصف الثالث حكمة اليوم لترسم باسمه في اللوحة العتيقة على الجدار الطيني فزها بما يعده مقاله الأول، واختاره معلم الصف الرابع ليلقي كلمة الطلبة على خشبة المسرح في الحفل الختامي فكانت إذاعتَه الأولى، واستعار من مكتبتها في الصف الخامس القصة الأولى فقادته إلى القراءة، وأملى عليهم معلم الرياضة قانون كرة القدم فعرف أنها إيقاعٌ جميل إذا خلا من الشحناء والبغضاء؛ فلمن يُعزى الفضل؟
* *
الحكاية الخامسة:
في الصف الأول المتوسط وجهه مدير المعهد العلمي فحررَ خطابًا رسميًا لتعزيز نسبة القبول نتيجة زيادة الإقبال، وقدّمه وزميلَه مدير المركز الصيفي ليُحاورهما إذاعيٌ كبير في برنامجين، وبحث عنه مدير التعليم وقت اصطفافه وزملائه على طريق الرياض مقابل المدرسة الثانوية لاستقبال الملك فيصل ليقدم حفل الأهالي لو قرر الملك التوقف؛ أفلم يجازفوا؟ أو لم يشعر بالمسؤولية مع التحدي؟! فلمن يُعزى الفضل؟
* *
الحكاية السادسة:
تسابق في بحوثٍ كتابيةٍ عميقةٍ نظَّمها المركز الصيفي فلجأ إلى مكتبة والده والمكتبة العامة وبعض المكتبات الخاصة فتدرب على البحث العلمي، واستوعب مسوداتها بذهنه ليكتبها في قاعة اختبار مهيبةٍ، وأرقام سرية، ومصححين كبار، ومِن غير مَراجع أو مُراجعة، فلمن يُعزى الفضل؟
* *
الحكاية السابعة
شارك في تقديم بعض المناسبات العامة، ومنها احتفالات الأهالي، ونادي المعهد العلمي، والحفلات المشهودة لناديي النجمة والعربي أو العربي والنجمة فصار من القلة الذين انتموا للناديين في وقت واحد، ورشحه الناديان للتحاور مع بعض البرامج الإذاعية الشبابية، فلمن يُعزى الفضل؟
* *
الحكاية الثامنة
سافر في رحلات طلابية مع المعهد والمركز، والتقى وزملاؤه بشخصيات علمية واجتماعية مضيئة، وتعرف على أصدقاء من كل مناطق الوطن، وشارك في برامج مسابقات وإلقاء كلمات وتبادل زيارات؛ فلمن يُعزى الفضل؟
* *
أما حكاية الحكايات
فسيدة النساء التي رعت وغذَّت ثلاثة عشر شقيقًا وشقيقةً عاش منهم عشرة، وهي التي احتفت واحتملت، وعانت وصبرت، وظلت وأظلت، ومن غيرُ موضي بنت صالح العبدالعزيز الرعوجي في حضور سيدي الوالد عبدالرحمن بن علي التركي العمرو وبعد غيابه -رحمه الله -، إذ هي السند والمدد، والشوق والعشق، والخير والجمال، ولن يفي ولن يكتفي:
ليس للظلِّ أن يروم مقيلا
أو لذي العرض أن يمثل طولا
ولأمٍ ألا تكون رواءً
ولقلب ألا يغيث هطولا
* *
أما بعد
فاللغة لم تكن وسيط تواصل فقط، بل هي مساحة ومسافة للتفكير، وفي مناسبات الاحتفاء شُكران يتكاملان؛ شكر الأداء بالإيماء، وشكر الوفاء بالانتماء، ولن يسعفا عبارة فليسعدا إشارة؛ وبالإنابة عن والدته وإخوته وزوجته وأولاده وأسرته يقول:
شكرًا لسعادة المحافظ وسعادة الوكيل، وسعادة رئيس ونائب رئيس وأعضاء لجنة الأهالي، وسعادة رئيس وأعضاء جمعية الإعلام والعلاقات العامة (مراسم)، ورئيس وأعضاء جمعية (تقدير)، ولسعادة رئيس البلدية ومنسوبيها، ولجميع من شارك ومن بارك، ومن حضر ومن اعتذر، وقد تمنى أنه المحتفِي فموقع المحتفى به لا يلائم مقاساته، لكنه فضلكم ولطفكم ونبلكم وجميل ظنكم فليهدِ هذا التكريم لكم، إذ أيقظتم ذاكرةً حبلى، وإليكم يُعزى الفضل:
شكرًا لكم يا أيها الراعون والواعون
زدتم إلفنا ألفًا وألفا
كنا هناك مدىً جميلًا وامتددنا هاهنا سقفًا وملفى
لمدينتي ألقٌ وصوتٌ لا يغيب وملمح نرتاده شوقًا وزلفى
ما للحياة من المعاني غيرُ ذاك الود تعمره قلوب لا ترى في البعد منفى
- -
الحمد لله نهاية ما تزال تبدأُ وبدءٌ لا ينتهي