إن تسمحوا لي بملحظ جدير منّا جميعاً التبصّر به، وهو.. أنه ما زال كثيرون -منّا- وكأنه يحصر فهمه لـ»الكرم» بموضع واحد لا يتعداه/ أنه يعزم (وربما يلزّم) عليك..!
وكما أن لكل عصر أدواته، كذلك هي مفاهيمه، وأعني أن هناك ما يصعد على سطح الحياة، فيبدّل تلكم، أو لنقل يغيّر وجه ذلك لما هو أولى..
فاليوم -الحمد لله- الناس بخير، وما كان الكرم على تلك الصبغة إلا يوم كانت الحاجة!
وكذا ما يُتبع -الكريم- التلزيم.. للحياء البادئ على المحيا المهم، وكما أسلفت أن هناك ما هو يصعد فوق العزائم (مفرد الدعوة لمأدبة..) من مثل:
أن تقف مع من تروم ضيافته على وجه آخر من الكرم هو بالنسبة له أنجع كموقف فيه شهامة، مال.. شفاعة.. الخ، وأذكر من جواب جليل وقد صعب على الناس اليوم (أو شبه استثقل على الطرفين) الزيارات، أي ما ينضوي تحت مطلب (صلة الرحم)، بقول أحد العلماء (أن تتصل عليه هاتفيًا) فترسل له سلام ..بالجوال، الدعاء..إلخ.
وأضاف (إن كنت تعرف عن حاله فتسدد عنه قسطًا أو فاتورة).. فهو من وجوه (الوصل)، ولعل هذه أكبر وقعًا عنده، أو تحاول أن تجلب له علاجًا في مشفى.. إلخ. وهذا جانب جليل، جلّاه حديثه -صلى الله عليه وسلّم- (صدقتك على القريب صدقة وصلةً..).
وغالبنا بلغه عن كثير من الأسر وقد استحدثوا سُنة حسنة تَعارف عليها، ومن ثمّ تواطؤوا على قبول ما تقدّمه لأفرادها، بخاصة أن السرّية فيها هو مكمن صنيعها، فيما الغاية هي النفع الشامل، بمسمى (صندوق الأسرة)، فيحرص أغنياؤها كل الحرص وضع زكاتهم بهذا الصندوق، تفعيلاً للحديث الذي تقدّم الجمع بين (..صدقة وصلة) ولا غرو، ففي حديثه عليه الصلاة والسلام أتى متممًا بلفظ: (وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا في فِي امْرَأَتِكَ) -الصحيحين- أي لربما أضعاف أجرها في غيرهم. فهذا «الصندوق» -بالمناسبة- يكفي قريبك المضطر أن يدلق ماء وجهه أو حتى يطرق أبوابًا أخرى، بالذات إن لمتُفتح له!
نعود للتأصيل الذي مضى التقريب له أنه/ لا أقول استبدال بل ما بدّا يلحّ (بما يلوّح) بحضور الحاجة إليه بالتوسيع من فهمنا للكرم والصلة.. فلا نقف بهما على سابق أحوال هي اليوم اختفت كثيرًا، لكن ظهر لها جانب هو أشد طلبصا.. من وجوه أخرى، مما يلزم الالتفات إلى تلكم، كي لا ندع الضروريات خلف الكماليات - في المقام-! وكما بدّلنا بعضًا من مظاهر حياتنا وما يتفق مما مدّتنا به تقنيات عصرية، فكذلك يلزم مواكبة هذا، من خلال مراعاته بجوانب من أمور أُخرى للتقريب/ لقد أمسى أمرًا (عاديًا) بل أن يأتي ضيف من مدينة أخرى فتعزمه بمطعم جميل، وتأكّد أنه لا ولن يعتب عليك، وربما أنت شجعته بالمقابل وخففت عنه مؤونة أن يكون مجهمًا بتصرّف كهذا!، أي حين يفعل معك كذلك، بل اتخاذ هذه النحلة - عنده- بعدها، أيضًا حسبك أجر من «سنّ سنّة حسنة»، في طي وجوه من فواضل نِعم قد لا تؤكل!
ثم بما أن المفاهيم البارزة يومئذ كانت تلكم، بحكم الحاجة (مع) الحياء، ودنيا سواد أهلها ما زال تحت وطأة الحاجة.. فيما الحالة اليوم السائدة تختلف عن تلك الأوضاع البائدة، بل فاض التغيّر أن صاحبك أو قريب (مقارب لسنّك) تلتقي معه- أو تدعوه - لـ(كفي).. والتي اليوم أمست قطب لقاءتنا، مهما كابر على هذه زمرة منّا.. أحبّ إليه مما تدعوه للبيت.. مرات وكرات، ففي الأخيرة أو حسبها ما يصحب من تجشّم مشوار، فضلاً عن عناء على أهل بيتك.. والذين إلا ولهم جدولهم المختلف.
وهنا همسة/ لا بدّ من التسليم للمستجدات التي لا تمس (الثوابت) منّا.. والمهم يا ليتنا نلتفت لهذه المسلّمة -المستجدّة-، فنواكب ما جلبت..كي لا تتوانى أو تتخلّف مركبتنا الحضارية عن اللحاق بخطى ما بلغناه من (قبول) مفاهيم استجدّت، مخافة أن يتولّد دون أن نشعر انفصام بين حال وحال!، فيحدث من جانب واحد تبدّل أحوال إن لم نسلك هذا المنوال ما تترسّخ، فتبقى لا تزلّ، وخير الكلام ما قلّ ودلّ.