مها محمد الشريف
لا بد من توجيه الشكر لكل من أدرك أهمية الفلسفة في التعليم والمنهج الدراسي، حيث ظهرت هذه الأهمية في تكرار الكتابة عن هذا الموضوع كثيرًا، فبعد إعلان وزارة التعليم في المملكة عن استحداث مادة جديدة يدرسها طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، وهي «مهارات التفكير الناقد والفلسفة»، ومن هذه الأهمية يصبح العقل متقداً متطوِّراً على الصعد الفكرية والعلمية وكل ذلك ينعكس إيجاباً لصالح المجتمع وتطور أدواته.
الفلسفة تحث على القراءة الصحيحة للواقع، وتضيف إبداعات فكرية كإنجازات شامخة للروح البشرية، ونهضة الأمة التعليمية وتقدمها ورقيّها ومنافستها بمقدار ما تسمح به نظرتهم العقلية لدراسة الفلسفة، كعلم ممكن للمشروعات التربوية في معظم دول العالم تقريبًا، ونادرًا ما تجد دولة مستقرة في الوقت الحاضر لا تعيد النظر في مناهجها وطرائق تدريسها وأساليب تقويمها وارتباط ذلك كله برؤية الدولة وخطتها التنموية وحاجة سوق العمل التي تشكل أهداف النظام التعليمي والأسس التي قام عليها.
ومن ناحية أخرى لمعرفة العلاقة بين الذات والموضوع وفتح آفاق جديدة تواكب إعادة النظر في أهداف التربية العامة وغاياتها النهائية، وعلاقة التربية بموروث المجتمع ومستجدات العصر، وكيف يمكن للمرء أن يمثِّل تتابعاً ضرورياً من المراحل في تطور الفلسفة، من هنا ظهرت أهمية تحديد الأسس العامة لمناهج التعليم، والقول بأن حياة المرء بأسرها نتيجة تخصص لدراسة ما، وهذه الأسس معنية بتحديد الإطار الثقافي والتربوي والتعليمي الذي ينبغي أن تسير فيها أهداف التربية ومخرجاتها، وأن تُبنى على تعميق وترسيخ الخطط والإستراتيجيات والأساليب والخبرات.
والواقع يقول إن الفلاسفة كرروا هذا السؤال كثيراً بلا لبس أو غموض: وهو ممَ يتكون العالم بطريقة نهائية؟ بروح فلسفية لا بروح من يغزل أساطير خيالية، ولم يفرّقوا بين الفلسفة والعلم الطبيعي، فقد كان من الصعب في تلك المرحلة أن تندمج معاً الأسئلة العلمية والأسئلة الفلسفية، طالما أنهم انشغلوا بالطبيعة النهائية للعالم، ولم يتمكنوا بعد من صياغة أي تفرقة واضحة بين المادة والروح ووقائع التغير المادي، ومن الصواب أن يطلق على الفلاسفة اليونانيين بالكونيين بسبب انشغالهم بطبيعة الكون.
وبعد هذا الاستطراد، فإن إعادة ما ذكرته سابقاً عن الفلسفة في مناهجنا التعليمية أدرك من خلاله وجود عملية التغير المستمر التي شكلت الفلسفة فيها مبدأ التعلم الذاتي وتنمية قدرات التحليل والمقارنة والمناقشة، وكذلك مبدأ الفعالية عن طريق البحث والاكتشاف وحل المشكلات، والفكر اليوناني والنزعة الشكية التي قامت عليها هذه الفلسفة لأن الدراسة كانت مبنية على النظريات والمذاهب الفلسفية آنذاك ومبنية أيضاً على الجدل والتفكير المتنامي في ظواهر الثقافة والحضارة.
وما هي الموضوعات التي تعتبر محطة أساسية في استمرارية العمل بمنهج يرتبط بالتعليم الثانوي؟ ويتدرج من تجربة ذهنية ووجدانية وثقافية إلى محتوى يرتقي بالمتعلم ويعمق وعيه بذاته ويصحح تقديره للأشياء تقدير إيجابي، وتمكنه من الاعتماد على النفس وتحمّل المسؤولية بمعنى أنه أكثر نفعاً أو فائدة، فقد أكدت أهمية التربية ضرورة التيقن عوضاً عن الشك وتحويله إلى قانون أكثر صدقاً من الآخر، ويصل إلى يقين أن الفلسفة مكملة للعلم، فلا بد أن يخضع الفرد للتربية التقليدية ويلتزم بدينه وشريعته وما ورثه من علوم صالحة من الآباء، ليكون معياراً للمواطن الصالح، وتدربه على علاقات إيجابية بالغير أساسها الاحترام المتبادل والتسامح والحوار، وتنمية القدرة على تعميق المكتسبات المعرفية والمنهجية بالتمرس بآليات التفكير الفلسفي التوسعي والعميق.
بهذا المعنى، يتم تطوير استخدامات العلم وربطه بالتقنيات في البحث والإنتاج، وفهم العلاقات المتداخلة بين الفلسفة والعلم، واكتشاف الصعوبات والمفارقات التي يولّدها أساس الاجتماع البشري بين الضرورة والاتفاق لكي يتاح للمناهج الجديدة إكمال العلوم الناقصة في المراحل الدراسية، ويساعد الطلاب والطالبات على تنمية الشخصية وتطوير المعارف والمهارات، التي تحدد الخيار الذي يسعى إليه بدعم رؤيته للأشياء وهذا هو البديل الواقعي الذي يطبّقه العالم بتهيئة الفرص لرؤية المستقبل من خلال التخصصات الملائمة للطموحات في المرحلة الثانوية والجامعية والفرص التعليمية المتاحة ومتَّسقة مع التغيرات الكبرى منذ إعلان رؤية المملكة 2030م.