شريحة واحدة من الخبز، كوب واحد من رقاق الإفطار، ثُمن كوب من الأرز. الكثير منا سمع هذه المصطلحات في مرحلة ما من حياته حيث كان يبحث عن الوزن المثالي والجسم الرشيق. وكان الهرم الغذائي الصحي صديقه المقرب إليه في تلك المرحلة، وألف مجلدات في عدد الحصص اليومية المقررة والعناصر الغذائية المأخوذة من تقسيمة الهرم الغذائي، وكم يحتاج الجسم من السعرات الحرارية من كل صنف، وبعد كل هذا تكون النتيجة عكسية زيادة غير متوقعة بالوزن وتتوالى عليه خيبات الأمل؛ فيعتزل الهرم الغذائي والميزان، وتمر السنوات وتنحرف بوصلة الاهتمام لمعرفة علاقة الأمراض بالغذاء وتبدأ معه رحلة البحث وتأليف الكتب عن العلاقة بينهما. وأهمية اتباع أسلوب حياة صحي ونضيع في دوامة ما هو مفيد وما هو ضار إلى أن نصدم بأشخاص كانوا نموذجاً لأسلوب الحياة الصحي المتوازن؛ فهم لسنين طوال ملتزمون بالطعام الصحي ويمارسون الرياضة.. حيث يفاجأ أحدهم بإصابته بمرض عضال.. هنا يبدأ مناصرو الكسل ومحبو الطعام يدافعون عن حبهم بأن لا علاقة بينهما وليزيد لك تأكيد الخبر بأن هناك ما هو أسوأ فيضرب لك الأمثال بأشخاص معمرين وهم مدخنون وبصحة جيدة!
وهنا تبدأ تتزلل قناعاتك، ولا تستطيع الرد، وتعود لتبحث من جديد وتطرح السؤال.. لماذا؟ فيأتي إليك من هم من أصحاب العلم ليخبرك عن الوراثة والطفرات الجينية، ومرة أخرى تعيد طرح السؤال لماذا؟ لكن هذه المرة بينك وبين نفسك خجلاً من المناقشة فأنت لا علم لك بهذا العلم، وتنطلق من جديد والسؤال يدور في خلدك لماذا؟!
ليطل عليك طبيب مشهور يتكلم في لقاء عابر ويقول: 1 % من الأمراض جينية، و90 % أسلوب حياة، و90 % من جميع الأمراض سببها التوتر، وهو الدكتور بروس ليبتون، ويأتي الدكتور بيرني سبيجل ويقول تأكيداً لكلامه: إن الجسد يصدق ما يفرضه العقل فالشعور بالذنب والعار وإلقاء اللوم يدفع فاتورتها الجسد. وينصحنا بنصحيته الثمينة (اترك الهموم على الله).
وتخبرنا الطبيبة جوان بوريسينكوا فتقول: كما أن السموم في المنزل وفي الطعام كذلك هي في المشاعر فالمشاعر تفرز هرمونات عصبية تؤثر على الجسم.
وهنا تبدأ رحلة البحث عن علاقة المشاعر بالأمراض ليبهرنا الدكتور الألماني همر الذي كانت رحلته مع هذا العلم نتيجة لإصابته بورم سرطاني هو وزوجته بعد وفاة ولدهم إثر طلق ناري تعرض له، وهو المتخصص في علم الأورام، وكان طبيباً يعمل مع زوجته الطبيبة مثله في مشفى لعلاج المصابين بالسرطان؛ فهذه الحادثة غيرت معتقداته الطبية تماماً ودفعته للتفكير في وجود علاقة بين إصابتهم بالورم وفقدهما ابنهما فبدأ يبحث ويدرس الحالات ويربط علاقتها بالمشاعر وخرج إلينا بعلمه المبهر الذي يربط أساس كل مرض هو شعور في اللاوعي.
ليتغير المسار في البحث ويُطرح السؤال كيف أضبط مشاعري، وما هو الميزان؟ وتأتينا الإجابة من الدكتور أحمد الدملاوي المتخصص في المشاعر والسلوكيات ويخبرنا بأن الإنسان كائن عاطفي وأن الحكم النهائي لجودة حياتنا هي المشاعر؛ فيبهرنا بتقنية الاتزان العاطفي القائمة على علم نفس الألوان للعالم السويسري لوشر والإبداع هنا ربط اتزان المشاعر بالفطرة؛ فنحن ندرك الاتزان عندما نعيش بسعادة منبعها نية طيبة ونفقدها عندما نشعر بشعور مؤذٍ أو غير مريح أو لا نشعر ونلجأ إليه حتى نحمي أنفسنا من الألم ويصاحبه سلوك ضار ومنبعه نية خبيثة؛ فالاتزان العاطفي هو الفطرة ويعيش الإنسان الاتزان عندما يعيش الطمأنينة، والاحترام والثقة والحرية، والضمير هو البوصلة التي تخبرنا في حال انحرافنا عن الاتزان ويعلمنا إدارة الذات عن طريق المراقبة لحظة بلحظة مما يساعدنا على إدراك الشعور، وبالتالي يمكن لنا وصفه؛ فمتى ما أصبحت الصورة واضحة أستطيع أن أكون في سلام معه الآن وأقبله، والقبول لا يعني الاستسلام؛ فالقبول هو الاعتراف بالأمر الواقع وتقبله والعمل على تغييره، بينما الاستسلام هو الرضوخ للواقع والشعور بالعجز وعدم القدرة على التغيير.
وهنا أصل إلى نهاية الرحلة ولدي إجابة لسؤال هل أستطيع الحصول على وزن مثالي؟ الجواب: نعم؛ فالجسم السليم المثالي يأتي من ضبط ثلاثة محاور: الأكل الصحي ومجهود بدني ومشاعر متزنة.