وتلك الأيام نداولها بين الناس...
تأتي الأيام والليالي سراعًا.. على عجل وبسرعة لا نكاد نتذكر معها يومنا من أمسنا.. تتقلب بها الأحوال وتتعدد بها الأمثال... تتوالى بها الأحداث بين صادر وميراد.. نجتمع ونتفرق نسعى ونجد ونجهد نسلي وننسى..
هكذا حال الدنيا ومُقامنا فيها قليل...
عن عبدِاللَّه بنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَامَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: «مَا لي وَللدُّنْيَا، مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
فهي دار ممر وسعي وجد وعمل...
الموفق من سخرها لنفسه وذويه خاصةً والديه، فمن كان منهم حياً سعى لخدمته ومجالسته وتفقد أحواله واحتياجاته دون طلب أو تردد... فغالب الآباء والأمهات لا يطلبون ولا يريدون أن يثقلوا على أبنائهم...
والكيّس الفطن الموفق هو من يبادر لخدمتهم وتلمس حاجاتهم دونما طلب وبخفة نفس وطيب خاطر...
فالأيام تمضي والسنون تتعاقب ولا ندري عن صواديف الأيام...
فكم من سعيد موفق لبِرّ والديه حاز حظوة خدمتهم وشريف مجالستهم والتلطف معهم بالقول والفعل، ولا ينقل لهم ما يكدر خاطرهم ولا يزعجهم بمشاكله وظروف حياته... وقد رأينا مثل هؤلاء قد وفقهم الله ودانت لهم الدنيا صاغرة تحت أقدامهم بسبب بِرّهم بوالديهم...
فبر الوالدين من أهم وأبدى الأعمال التي يجب أن نبادر بفعلها قبل فوات الأوان وحيث لا ينفع الندم والتحسر على ما فات...
لتكون حياتنا دربة للنفس على شريف القيم ومعالي الهمم...
والبدء بالوالدين ثم الأقرب فالأقرب...لاسيما ونحن في شهر الجود والخير والبذل والعطاء...
ومن فضل الله علينا ومنته وكريم عطائه أن جعل بِر الوالدين لا ينقطع حتى بعد رحيلهم وذلك بوصل برهم والدعاء لهم والتصدق عنهم...
فهل هناك ما يوازي مثل هذا الخير العميم...
ولنا في غيرنا عبرة وعظة:
ذكر لي أحد الأقرباء أنه تغرّب عن أهله للدراسة ومن ثم العمل فطال به المقام وتعود البعد عن أهله وكان لا يزورهم إلا من السنة للسنة.. ويقول كبرت والدتي وضعف حالها ورق عظمها.. ولم أشعر بذلك حتى مرت على غربتي خمسة عشر عامًا، وفي آخر زيارة سلمت عليها وقبلت رأسها ويدها فالتفت وقالت: من أنت؟ فتملكني شعور الخيبة والحسرة واعتصرني الألم أنها لم تذكرني وأنا ابنها الصغير المدلل...
ودار شريط حياتي حثيثاً ليجعلني منسياً عند أعز خلق الله عليَّ... فكم وددت أن يرجع الحال ولا أغادر قربها والفوز بشرف رعايتها والعناية بها...
فلا غرو وكما يقال من ابتعد عن العين ابتعد عن القلب...
يقول عز وجل: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ }.
فبادر بالأحسان لهما وترقق بطيب الكلام معهما، وتذلل لطلب رضاهما عليك بالقول والفعل والأثر..
فغدًا لن ينفع الندم إذا ما غادر أحدهما...
ونحن في هذه الليالي الفاضلة من شهر الخير وعلى أعتاب عيد الفطر المبارك نسأل الله القبول والعتق من النار والفوز بالجنة وأن يرزقنا بِرّ والدينا إنه جواد كريم...
** **
sh1ksa@yahoo.com