عبدالوهاب الفايز
الإخوة الباكستانيون من أكثر شعوب العالم تقديرًا ومحبة للسعودية. مازلنا نتذكر المسح الذي أجراه (مركز بيو للأبحاث) بعنوان «النظرة تجاه المملكة العربية السعودية لدى الآخرين» نشر في أكتوبر 2013، اتضح أن نسبة 95 في المائة منهم يحملون مشاعر إيجابية تجاه السعودية، ولم يسجل أي نظرة أو مشاعر سلبية من قبلهم تجاهها. أجزم أن الوضع لم يتغير.
ولذلك لا يستغرب إعلان رئيس الوزراء الباكستاني الجديد محمد شهباز شريف أن أول زيارة رسمية له ستكون للسعودية. فهذه الخطوة تعودناها من القيادات السياسية الباكستانية، فمشاعرهم هي انعكاس لمشاعر الود والحب الذي يبديه الشعب الباكستاني للسعودية، قيادة وشعباً. وبلادنا تستحق هذا التقدير لأنها ظلَّت منذ عقود، قريبة من باكستان في كل شؤونها وهمومها وأفراحها وأتراحها منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز حتى عهدنا الزاهر في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان. فالبلدان يسعيان لتطوير العلاقات التجارية والثقافية والدينية والسياسية والإستراتيجية منذ تأسيس باكستان في عام 1947.
والسؤال الذي كان يتبادر دوما بذهني حول العلاقة مع باكستان هو: لماذا لم يستثمر البلدان عمق وخصوصية هذه العلاقة في المجالات التجارية والاستثمارية والثقافية والتعليمية والبحثية؟ فالعلاقات متميزة في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية.. بينما العلاقات الاقتصادية، لم ترق للمستوى المأمول، ودلالات ذلك نجده في أرقام واحصاءات التجارة والاستثمار الثنائية.
ولكن نحمد الله أن القيادة في البلدين كانتا على قدر الثقة وبحجم التطلعات والآمال. فالإجابة على هذا التساؤل جاءت في البيان الختامي الذي صدر بعد زيارة رئيس الوزراء الباكستاني. فالبيان أكد أهمية (العلاقات التاريخية الوثيقة بين السعودية وباكستان)، فالزيارة جاءت في هذا الإطار، والأهم أن الجانبين اتفقا على إنجاز ما نتطلع إليه وهو: (أهمية تعزيز العمل من خلال مجلس التنسيق الأعلى السعودي الباكستاني، وتنويع التجارة البينية بين البلدين الشقيقين، وتكثيف التواصل بين القطاع الخاص في البلدين لبحث الفرص التجارية والاستثمارية وترجمتها إلى شراكات ملموسة).
الذي اتفقت عليه الحكومتان هو الذي كان بحاجة إلى دفعة قوية، ونقصد تطوير العلاقة بين القطاع الخاص. وقد جاء في البيان أن البلدين اتفقا (على تعميق ورفع وتيرة التعاون الاستثماري بين البلدين، وتحفيز الشراكات وتمكين فرص التكامل الاستثمارية بين القطاع الخاص في البلدين، كما اتفقا على تضافر الجهود لتطوير البيئة الاستثمارية المحفزة في البلدين، ودعم عدد من القطاعات الاستثمارية ذات الاهتمام المشترك، وأكد الجانبان أهمية تعزيز وتطوير التعاون في قطاعي الصناعة والتعدين بما يخدم مصالحهما الإستراتيجية وفق رؤية قيادتي البلدين الهادفة لتوثيق أواصر التعاون بينهما).
وتحقيق هذه التطلعات الكبيرة بعيدة المدى تحتاج إلى تكثيف اللقاءات والحوارات التي تناقش القضايا الفنية والإجرائية التي عادة تعوق نمو الاستثمارات المشتركة. الأمر الإيجابي بهذا الشأن هو عزم الحكومتين على دعم (عقد منتديات استثمارية لتعريف قطاعات الأعمال من الجانبين على الفرص المتاحة وحثها على عقد الشراكات في المجالات الاستثمارية المختلفة، والعمل المشترك على حل التحديات التي تواجه المستثمرين فيهما من خلال استمرار عقد اجتماعات مجلس الأعمال السعودي الباكستاني).
واللافت في البيان اهتمام الحكومتين وترحيبهما بضرورة (دخول القطاع الخاص في البلدين بشراكات استثمارية في المجالات الزراعية والصناعات الغذائية). هذا الجانب يحتاج إلى اهتمام المستثمرين السعوديين الرئيسيين في الزراعة، فباكستان طريق تجارة دولي، وهي ممر للمنتجات الزراعية في وسط آسيا. والصين الآن تبني شبكات طرق وقطارات عبر باكستان لربط وسط آسيا بميناء (جوادر) على بحر العرب، وهذا يسهل تدفق السلع ويدعم الاستثمارات السعودية والخليجية المشتركة.
أيضا أكد الجانبان (أهمية الاستفادة من الخبرات والقدرات الباكستانية المتميزة في عدد من القطاعات بما يحقق المنفعة المتبادلة على اقتصاد البلدين، كما اتفق الجانبان على تعزيز التعاون الإعلامي بينهما، وبحث فرص تطوير التعاون في مجالات الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء، وتبادل الخبرات والتنسيق بما يخدم تطوير العمل الإعلامي المشترك).
هذه الخطوة التاريخية، وحتى تحقق ما نتطلع إليه من علاقة وتحالف إستراتيجي، تتطلب ضرورة السعي لتطوير أداء مجلس الأعمال السعودي الباكستاني بالذات استمرار جلساته كما أشار البيان، ودعم تأسيس المشروعات المشتركة، وتعزيز مستوى خطوط الملاحة والطيران المباشرة، وتكثيف تبادل الزيارات الرسمية، والتبادل الطلابي والمنح الدراسية، وتوثيق التعاون بين الجامعات، وتعزيز التعاون في الزراعة والأمن الغذائي. مع إنشاء مراكز أبحاث مشتركة، والاستفادة من العلماء الباكستانيين لتطوير قطاع الطاقة المتجددة.
أيضا هذه النقلة الجديدة للعلاقات توفر فرصة لاستثماراتنا. ففي ظل فقدان الموثوقية والأمان بالاستثمار في أمريكا وأوروبا، تعد الباكستان بما تمتلكه من موارد ثرية خيارًا مناسبًا لتوجيه نسب متزايدة من أرصدة استثماراتنا العامة والخاصة إليها.
بقي القول إن متانة الشراكة الإستراتيجية السعودية الباكستانية تمتد آثارها الإيجابية المستدامة على ترسيخ السلام ودعم الأمن القومي العربي والإسلامي. والعلاقات السعودية القوية النوعية مع باكستان كانت وستكون في صالح تنمية وتطوير العلاقات في شبه الجزيرة الهندية، وترسيخ السلام في قارة آسيا. فالسعودية هي الوسيط الموثوق به عالميا لتقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف.