عطية محمد عطية عقيلان
منذ الأزل مارس الإنسان الصيد من أجل توفير حاجته للغذاء، وطور أدواته واستعان بالطيور والحيوانات من أجل الحصول على صيد وفير يقتات منه، وكانت من الصفات النبيلة التي تطلق على الشخص أنه صياد لأنها تحتاج إلى شجاعة وهدوء وإقدام وصبر ومطاردة وجسارة، ومع تطور الحياة المدنية والرخاء وتوفر الغذاء واللباس، غدت مهنة الصيد للنخب المخملية ويمارسها أصحاب الثراء والوضع المادي الجيد ويعتبرونها رياضة راقية، وتحولت من حاجة لكي توفر غذاءك إلى هواية تمارس من أجل قضاء أوقات جميلة والاستمتاع بصيد الحيوانات حتى وإن لم تكن هناك حاجة لصيدها، وأرى أن هناك ربطاً بين الصيد والتسوّق في عصرنا الحالي، لأن التسوّق تحول من شراء الحاجات الأساسية لتوفير الغذاء واللباس، إلى نمط سلوكي من أجل المتعة، أسوة بمن يمارسون الصيد من النخب التي تدفع أموالاً وتكاليف من أجل الاستمتاع وممارسة الهواية، كذلك لم يعد التسوّق للحاجة الأساسية فقط لدى جلنا، فأصبحت عادة ومظهراً اجتماعياً ساهم التطور البنكي بما وفره من بطاقات ائتمانية تسدد بها دون أن يكون بها رصيد، إضافة إلى تفنن العلامات التجارية في تقديم العروض والخصومات والهدايا المجانية لجذبك «لفخ» التسوّق الفائض عن طلباتك وحاجتك لنتحول إلى مستهلكين نحمّل أنفسنا فوق طاقتنا وحاجتنا، إضافة إلى أن هواة الصياد ومدمني التسوّق تجمعهم خصلة في طريقة الزهو بسرد انتصاراتهم واقتناصهم الفرص وانقضاضهم على تحقيق أهدافهم بمهارة وذكاء وشجاعة، على أن هناك فرقاً كبيراً بين الصيد والتسوّق، فالصيد يحتاج إلى ذكاء وشجاعة وإقدام وصبر، عكس التسوّق بلا حاجة والتي تتطلب التهور والانخداع بالعرض والمجازفة بتحميل نفسك أعباء وديوناً وفوائد بنكية بسبب بطاقات الائتمان، وقد يكون هناك رابط متكرر بين صيادي اليوم ومدمني التسوّق، هو دفعهم ثمن هذه الهواية، دون الاستفادة منها غالباً، لذا قد نكون متسوّقين ماهرين برتبة صياد ولكن دون أن نعلم أننا أكلنا الطعم باقتناص فرص التخفيضات والعروض والهدايا والسحوبات، وقمنا بالتسوّق طمعاً في الكسب والربح والاستفادة من مغريات السعر ولكن النتيجة النهائية، هي أننا كنا الفريسة المستهدفة بالصيد للشراء وتحمّل أعباء ومصاريف فوق طاقتنا وتحمّلنا أعباء مالية لامتلاك ما لا نستخدم جله، ولعلاجها والتحكم بها لا بد من رصد ميزانية محددة عند التسوّق حسب قدرتنا ووضعنا، حتى لا نقع فريسة المغيات والانجرار إلى فخ الخصومات، والتي مارستها الشركات معنا باحترافية تذكّرنا بمقولة الممثل فورقمان فريمان «أكثر الناس حرصاً على عدم إثارة الفزع في قلوب العصافير هو الصياد»، وقد سنّت كثير من الدول وشرعت قوانين صارمة لمنع الصيد والاحتطاب، من أجل الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية والحيوانات من الانقراض، فلنفعل قوانين خاصة بنا تقنن التسوّق بكافة مجالاته حفاظاً على مالنا وصحتنا وبيئتنا وحياتنا المدنية، ولنتذكَّر المثل العربي «من اشترى ما لا يحتاج إليه، باع ما يحتاج إليه».