علي الخزيم
كلما دخل علينا شهر رمضان المبارك نستذكر حكمة الصيام ونرددها بين أفراد الأسرة؛ وحين تجمعاتنا وبمجالسنا، ويخطب الخطباء ويكتب المُدونون أن الصيام يُقدم لنا ترويضاً للنفس، وتزكية للمشاعر، وتطهيراً للقلوب، وانه يُذكّرنا بالفقراء والمُعوِزين والأرامل والأيتام، وأنه يدعونا لانتشالهم بقدر الإمكان بالإحسان إليهم وإصلاح أحوالهم، وأن المسلم أخو المسلم يُعينه على نوائب الدهر، وإن من دروس رمضان والصيام الإيمان بأن الطاعات والأعمال الصالحة فيه يجب أن تستمر بالأشهر غيره؛ بأن تشمل كافة أشهر العام، وأن العام يتلوه عام مثله بالبِر والتعاضد والتسامح والتكافل وكل عمل صالح يرتقي بحياة المجتمع ويُصلح شأنه ويُنقّيه من كافة المُكدرات والمنغصات، وكل ما يُفرّق بين الأسر والجماعات، ولتمر عقود من الأعوام تتلوها عقود ومعها تتطور حياة المجتمعات الإسلامية تحفُّها المحبة والسلام والرغد والوئام.
وتحتفل الشعوب الإسلامية نهاية رمضان متمثلة بتلكم المعاني السامية والحكم المرادة من الصيام، فتكون هذه القِيَم في أوجِها وقوة تأثيرها مع ساعات صباح العيد الأولى؛ القوم مبتهجون مبتسمون يتصافحون يباركون لبعضهم البعض، حتى ذاك العبوس الذي لم تعهده منبسط الوجه تراه اليوم قد مارس الابتسام وانفرد وجهه سبحان من أخضعه، وذاك المشاكس اللجوج الذي يَمُنّ بالسلام والتحية يقابلك هذا الصباح بابتسامة لا تدري كيف تُصنّفها أو تجد لها تفسيراً سوى انه روتين ورثة ليمارسه صباح العيد لمدة ساعة أو تزيد قليلاً ليس إلَّا، وفي مجلس العائلة للمعايدة تَبْرُق من إحدى زواياه ابتسامة ثعلبية ممَّن لم تأمن جانبه يوماً في صيام أو فطر؛ في سراء أو ضراء، فجَلَّ شأن من جعل الثعالب تُظهِر لك اسنانها تلك الساعة، واعلم -حماك الله - إنها مُتكلّفة لا تَمُت للوداد والتسامح بأي صلة، يقول مثل شعبي: (أبو طبيع ما يغيّر طبعه)، وإن أردت التأكد من نوع تلك الابتسامة فقابِله من الغد بعد أن تمضي فرحة سويعات العيد الأولى، لكن ومع كل ما تشاهده من لمعان أسنان البعض وابتساماتهم الزائفة فإني أنصحك بألا تتشاءم؛ وإلَّا ينتابك القلق على تماسك أسرتك وأصحابك، وانفلات روابط قرابتك، فالأمر لا يعدو أن يكون حالات فردية يمكن التّعوُّد عليها ومعرفة سلوك أصحابها من تجارب سابقة، وسواء امتعضت أم لا: فمثل أولئك لا يهمهم شعورك تجاههم، فإحساسهم بما يختلج بنفسك قد تجاوزوه كما تجاوزوا المروءة وحسن التعامل؛ ما عدا ما يَمُس مصالحهم التي يزعمون أنهم يوطدونها بتلك الابتسامات الصفراء والمراوغات البلهاء.
وتأكد بأن الخير والفضل والنزاهة والتقوى والرفعة وما ماثلها من المعاني والقيم السامية التي تنشدها لمجتمعك متوافرة ولله الحمد وتتزايد وتتماسك وبصلابة أقوى، ولا يستطيع أفراد زاغوا عن طريق الحق ان يُلوّثوا مجتمعات بأكملها، نسأل الله لهم الهداية والاستقامة، فكما أن رمضان يتكرر ويعود ليثبّت القيم والخصال الإسلامية الحميدة؛ فان للعيد معانيه وقِيَمِه ودروسه التي تتكرَّر معه بشرط ألَّا نمارسها كعادة موروثة تتلاشى بعد سويعات صباح العيد، طابت أعيادكم.