بدر بن عبدالمحسن المقحم
في تطور لافت للانتباه حطت رحال الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان في أرض المملكة يوم الخميس الموافق 27 /9 / 1443هـ بعد فتور ساد العلاقات بين البلدين نتيجة لبعض التباينات في المواقف والرؤى السياسية وهذا يعد أحد المظاهر الطبيعية في العلاقات الدولية خاصة إذا أستشعر أحد الأطراف أن الخطأ أو سوء الفهم الذي وقع فيه لا بد من تصحيحه تجاه الطرف المقابل قبل فوات الأوان واستذكار أن ما يجمع الدولتين من قواسم مشتركة أكثر مما يفرقهما فالدين الإسلامي والعمق الحضاري والمصالح الإستراتيجية والتبادل الاقتصادي هي من الأسس المتينة لتلك العلاقة والأرض الصلبة التي تبني عليها آفاق تلك الروابط حيث تمثل المملكة وتركيا أحد الأعمدة الرئيسة لمنظومة العالم الإسلامي وبالتالي فإن تقاربهما يعد صمام أمان للمنطقة ورافدا مهما في الحفاظ على العلاقات الإسلامية الإسلامية من الضعف أو التدهور، ولعل الرئيس التركي أراد بهذه الزيارة التي تعد اللقاء السادس بخادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله) تفعيل العلاقات الثنائية بثوب جديد ونظرة ترتكز على فتح صفحة جديدة للخروج من مربع التشنج السياسي إلى رحاب التعاون البناء القائم على تعزيز السمات المشتركة وزيادة التعاون في كافة المجالات والإدراك بأن كليهما يشكلان أحد أهم عوامل استقرار المنطقة خاصة في الوقت الحالي وما يحمله المشروع الإيراني من تهديد ومخاطر لهذا الاستقرار وما نشهده من تذبذب الإدارة الأمريكية في مواقفها بالنسبة لقضايا المنطقة والدور غير المفهوم من جانب روسيا إزاء الأوضاع في الإقليم العربي، الأمر الذي يؤكد على أهمية التقاء هذين البلدين الشقيقين في طريق التفاهم والتعاون والبحث عن كل ما يخدم مصالح شعبيهما لاسيما أن كلا منهما عضو في مجموعة العشرين. إن نظره فاحصة للأهمية الإستراتيجية والجيواستراتيجي للمملكة وتركيا والتاريخ الحضاري المشترك والذود عن حياض الإسلام والدفاع عن قيمه السامية يعطي الدليل على أنهما في خندق واحد تجاه أعداء الأمة ومن يتربص بها بهدف تفكيكها وإضعاف مقومات منعتها والنيل من وجودها ودورها العالمي في نشر قيم السلام وتنمية الإنسان، إن ما ينتظر البلدين في المستقبل المنظور هو الاستفادة من المجلس التنسيقي القائم بين البلدين وتفعيل الاتفاقيات والمذكرات الموقعة بينهما بصورة حثيثة، وتوظيف ما تمتلكه المملكة وتركيا من مقومات اقتصادية وكفاءات علمية لتحقيق قفزة نوعة في علاقاتهما الثنائية مثل الدخول في مشروعات عملاقة بين البلدين ذات رؤوس أموال ضخمة والمتعلقة بالمجالات الصناعية والعسكرية والزراعية والتجارية والاستثمارية والسياحية والإلكترونية والصحية مع إعطاء القطاع الخاص فرصة الانخراط في هذه الأنشطة المهمة ومن خلال مجلس الأعمال السعودي التركي، وأن تكون هذه الصفحة الجديدة مبنية على ما تحقق في الماضي من لبنات إيجابية وإضافة لبنات جديدة عليها وصولا بالعلاقة إلى الاكتفاء الذاتي من حاجات العصر وضرورياته وأن تصبح الصلات بينهما أنموجا لباقي الدول الإسلامية، على أن يترافق على هذا الصعيد التنسيق السياسي الذي لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي فتطورات الأحداث في العراق وسوريا واليمن ولبنان وتصاعد الوجود الإيراني في هذه العواصم العربية وموجة الإرهاب العالمي والتنافس الخارجي على خيرات المنطقة تشكل أخطارا مشتركة لأمن البلدين ومصالحهما وهو ما يتطلب المزيد التنسيق السعودي التركي والعمل على ابتكار الأفكار والدراسات والأبحاث والرؤى التي تعظم المنافع وتقرب وجهات النظر في القضايا الآنية أو المستقبلية لكلا البلدين، والسعي لتأسيس منظومة لحوار استراتيجي يهدف إلى بناء فهم أفضل لما يجب أن تكون عليه العلاقات السعودية - التركية والاستعانة في هذا المضمار بمراكز الأبحاث والملتقيات الجامعية والمنتديات الثقافية لتقديم أفضل الدراسات والأطروحات الفكرية المعمقة في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والسعي لتعزيز التعاون الثقافي والإعلامي على المستوى الرسمي والشعبي لتجسير الفجوة بين البلدين وبما يسهم في التقارب بين الشعبين الشقيقين بمختلف فئاته وخاصة الأوساط الشبابية منه.