د.عبدالرحيم محمود جاموس
إن ممارسات المستعمرة الإسرائيلية المنافية للشرعية الدولية ولأبسط قواعد القانون الدولي العام، الجارية والمتصاعدة في حق الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة والمشروعة وغير القابلة للتصرف، وفي شأن المس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية وخاصة منها المسجد الأقصى وكذلك كنيسة القيامة في القدس، والاستهتار بالمشاعر الدينية كما جرى خاصة في شهر رمضان المنصرم.. واستمرار سياسات التوسع الاستيطاني وسياسات الضم للأراضي العربية المحتلة سواء في الجولان أو القدس والضفة الغربية والتي سوف تتواصل من جانب الحكومة الإسرائيلية خصوصا في ظل المواقف الأمريكية المؤيدة والمساندة والمتبنية والمشجعة لهذا السلوك العدواني للمستعمرة الإسرائيلية، مما يوفر لها الغطاء الدولي ويدفعها إلى مواصلة هذه السياسات والممارسات والإجراءات المجافية لأبسط قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، إضافة إلى ضعف رد الفعل الدولي والعربي على تلك الإجراءات المتحدية للإرادة الدولية وقراراتها وللأمة العربية وللمسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء.!
عربيا يجب أن يتوحد الموقف العربي إزاء هذه المواقف المتطرفة والانتهاكات السافرة، وأن يتبلور في جملة من المواقف الحاسمة، منها وقف كافة أشكال التطبيع التي أقدمت وتقدم عليها اليوم بعض الدول العربية مؤخرا تحت مبررات واهية متجاوزة بذلك مبادئ وأسس مبادرة السلام العربية التي مثلت السقف الأدنى للموقف والرؤية العربية والإسلامية بشأن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، بل أكثر من ذلك لا بد أن تعيد النظر الدول العربية الموقعة لاتفاقات سلام مع المستعمرة الإسرائيلية فيها وأن تعلق العمل بها، لتحدد معنى السلام الذي على أساسه قد توصلت الدول العربية إلى تلك الاتفاقات كي يكون في نهاية المطاف سلام شامل يشمل القضية الفلسطينية جوهر الصراع، إذا لم تتوقف المستعمرة الإسرائيلية عن تلك الإجراءات والممارسات التي أجهضت كافة جهود السلام ودمرت كل الأسس التي بدأت على أساسها عملية السلام وهي احترام مبدأ عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والاحتكام إلى قرارات الشرعية الدولية بشأن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي... وخصوصا القرار رقم 242 لسنة 1967م والقرار 338 لسنة 1973م الصادرين عن مجلس الأمن... وما تبعهما من قرارات تؤكد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وتؤكد على عدم شرعية الضم أو الاستيطان للأراضي العربية المحتلة... وتؤكد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967م بما فيها القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
إن عدم احترام المستعمرة الإسرائيلية لهذه المبادئ والحقوق، ومواصلتها الإجراءات المنافية لأبسط قواعد القانون والشرعية الدولية ومبادئ السلام والأمن كل ذلك يوجب على العرب والفلسطينيين مراجعة مواقفهم وتقويم سياساتهم، وإعادة النظر في كافة الاتفاقيات الموقعة بين الدول العربية و م.ت.ف من جهة وحكومة المستعمرة الإسرائيلية من جهة أخرى... حتى لو أدى ذلك لإعلان حل السلطة الفلسطينية وتحميل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عما سينجم عن ذلك وإدارة الولايات المتحدة برئاسة الرئيس جو بايدن المسؤولية الكاملة عن نتائج ردات الفعل الشعبية المتوقعة على تلك المواقف والإجراءات والسياسات، والتأكيد على أن فرض سياسة الأمر الواقع لم يعد يحتملها أحد، وأن استمرار لعبة إدارة الصراع بهذه الكيفية لم تعد كفيلة بضبطه وإبقائه تحت السيطرة كما يشتهي الاحتلال.
إن الواقع بات يتغير ويتطور إلى الأسوأ يوما بعد يوم بفعل الإقدام على تنفيذ تلك الإجراءات والمواقف المنفلتة من عقالها، وأن حجم الانهيار الذي يعتري جهود السلام سيؤدي لا محالة إلى انفجار الأوضاع في وجه الاحتلال والاستيطان ليس في القدس وحدها وإنما في جميع الأراضي الفلسطينية سواء المحتل منها عام 1948م أو الأراضي المحتلة عام 1967م على السواء مما يؤكد وحدة الشعب الفلسطيني ويؤكد إصراره على الحرية والمساواة والعودة والاستقلال، ولن تجدي معه حينها سياسات القمع والبطش والقوة والمس والاستهتار بالمشاعر الدينية والوطنية والقومية للمسلمين والمسيحيين التي تواصلت خلال شهر رمضان المبارك دون أي اعتبار لمشاعر المسلمين ولكافة المناشدات العربية والإسلامية والدولية للكف عنها، ولن تتمكن كافة الإجراءات الصهيونية الغاشمة، من كبح رد الفعل الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي والدولي عليها ذلك ما يزيد الوضع الإقليمي تأزما وتوترا.
وفي ظل جملة المتغيرات الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية والمتسارعة، فإن الأيام القادمة باتت حبلى بالكثير من المفاجآت، إذا لم تتراجع حكومة إسرائيل عن سياسية الضم وهضم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والمساواة والحرية والاستقلال وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.