اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
حقاً، تصعب الكتابة كثيراً، إن لم تكن تستحيل، عندما يريد الكاتب الحديث عن رجل كبير، قائد همام، بقامة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي عهدنا القوي بالله الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه. فالرجل مجموعة رجال أفذاذ، اجتمعت في شخص سموه الكريم. ولهذا كان بدهياً أنه عندما يريد أحد الحديث عنه، تطل كل واحدة من تلك الشخصيات العبقرية العديدة لتزودك بما تريد من معلومات، لتحظى بشرف التعريف عمَّن تكتب.
أجل، أقولها بكل صدق ملء الفيه: تصعب الكتابة كثيراً عن رجل كانت طفولته غير عادية، وكذلك مراهقته ومطلع صباه. فبينما كان رفقاء مراتع الصبا وأصدقاء المراهقة يلعبون ويمرحون، ويجتهدون في ابتكار برامج مختلفة لتزجية الوقت، كان سموه الكريم يرى أن الوقت أعظم نعمة في حياة الإنسان، بعد الإيمان بالله والصحة.. كانت عينه على كل حبة رمل من ثرى هذا الوطن الطاهر، الذي ليس مثله في الدنيا وطن، وكان فكره وعقله مشغول بتحقيق الخير والسعادة والحياة الكريمة لكل إنسان من بنات الوطن وأبنائه. كان حلمه كبيراً بسعة الكون، وعزيمته راسخة رسوخ طويق وأجا وسلمى والثروات، وطموحه شاهقاً يناطح عنان السماء؛ وكان إيمانه بربه قبل هذا كله وذاك ثابتاً، ويقينه بعونه يحفز سموه الكريم كل يوم لبذل مزيد من الجهد، لكي تستمر قافلة خيرنا القاصدة تحمل مشعل النور إلى العالم إلى الأبد..
حتى إذا أنهى دراسته الجامعية، تجسَّد أمام ناظريه ذلك الحلم الكبير الذي طالما راوده ليحققه لبلاده، صاحبة الرسالة السَّامية العظيمة، ولشعبه ليعم بالتالي خيره العالم بأسره. وقد كان ذلك واضحاً جلياً في كلمته المقتضبة الجامعة التي ألقاها نيابة عن زملائه الخريجين بجامعة الملك سعود عند تخرجه فيها عام 2007م، في حضور والد الجميع، راعي العلم وأهله، سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه، الذي كان آنئذٍ أميراً لمنطقة الرياض؛ واقتبس من تلك الكلمة الضافية، التي كانت خارطة طريق بحق لما يحلم به ولي عهدنا لوطنه ولشعبه وللعالم كله: (... فبالعلم تُبنى الأُمم، وبالعلم تزدهر المجتمعات... السواعد الفتية من أبناء وطننا الغالي التي تسعى لازدهار الوطن وعلو شأنه... إن هؤلاء الخريجين ثروة حقيقية للوطن، فهم سند الوطن وحماته... عقولنا ستنير الطريق، وعزيمتنا ستحقق المستحيل، وإرادتنا ستأتي بكل ما هو جميل... نعاهد الله، ثم نعاهدكم على خدمة ديننا وازدهار وطننا ورفعته، والولاء والطاعة لمليكنا ولي أمرنا، في كل زمان ومكان، وتحت أي ظرف كان...).
والحقيقة، من يتأمل تلك الكلمة المقتضبة الضافية، ويقرأ ما بين سطورها جيداً بعين فاحصة، لا بد أن يدرك دون كثير عناء، أنها كانت مفتاح رؤيتنا (2030) الطموحة الذكية، التي كان ولي عهدنا عرَّابها العبقري ومهندسها المبدع، يوم أفصح عنها في 25-4-2016م، أي بعد تسع سنوات من إلقائه لتلك الكلمة في حفل الخريجين. وهو اليوم نفسه الذي شهد أول ظهور لسموه الكريم على الفضائيات، إذ ظهر على شاشة العربية مع الأخ تركي الدخيل، فأذهل العالم بغزارة علمه، وسعة اطلاعه، وأسلوبه الجزل الذي لم يكن ليخلو من طرفة تشد المشاهدين لحديثه الشَّيِّق المتدفق، كأنه يقرأ من كتاب، وأدبه الجم، وسرعة بديهته ولطفه وتهذيبه، وإلمامه بأدق التفاصيل، وقدرته الفائقة على تشخيص الواقع، وتحديد أماكن الخلل وطريقة معالجته لتحقيق قفزات نوعية عالية في التنمية الشاملة والازدهار، مبنية على أسس علمية راسخة. ففغر العالم فاهاً يومها لما رآه من فكر جديد متقدم، وعقل مبدع قادر على التفكير خارج الصندوق، وقائد ملهم شغوف بالعمل الجاد المثمر، واثق مما يقول.
حتى إذا اختارته هيئة البيعة بأغلبية ساحقة لكي يشغل منصب ولاية العهد،الذي تسنَّمه في 21-6-2017م، انكبَّ على العمل أكثر ليشبع شغفه ويروي ظمأه، فظلَّ يصل الليل بالنهار بين الملفات والاجتماعات والزيارات الميدانية.. فأتى جهده تحت توجيه قائد مسيرتنا، ثمراً يانعاً شهياً في كل المجالات، لاسيَّما الاقتصاد الذي استطاع أن يغير مفهومه بالكامل من (الكتاب والسُّنَّة ثم البترول) كما ذكر في حديثه للأخ تركي الدخيل في ذلك اللقاء الأول الذي أشرت إليه آنفاً، إلى الاستثمار بمفهومه الشامل الذي حطَّم أسطورة الاقتصاد الريعي.
ولهذا كان بدهياً أن تثور حفيظة أعداء النجاح في كل مكان، خاصة عندما رؤوا ما يتمتع به ولي عهدنا من مكانة مرموقة، حتى لدى زعماء الدول التي ترى نفسها دولاً عظمى، وهي بالطبع مكانة أرفع كثيراً من مكانة رؤساء كثير من الدول أنفسهم.. صحيح، لمكانة بلاده، لكن أيضاً لقوة شخصيته، وغزارة علمه، وسعة اطلاعه، وذكائه وحنكته، وقدرته الإدارية القيادية الهائلة التي أذهلت دهاقنة السياسة وأساطين الاقتصاد في العالم.
فهرول أولئك يستعينون بالشيطان لكي يضعوا العجلة في طريقه، مرة بقانون (جاستا) وأخرى بقضية الأخ خاشقجي رحمه الله، وثالثة باتهامه بالتواطؤ مع القوى المعادية للعرب والمسلمين، ورابعة... وخامسة ...إلخ؛ ظنَّاً من أولئك المفلسين أن سعيهم هذا سيوقف هذا التسونامي الذي أعلن حرباً شعواء على الفساد والتطرف والإرهاب، وأحيا شعار الوسطية والاعتدال، وحمل مشعل الخيرية للعالم أجمع.
غير أن أولئك المفلسين، لم يدركوا أن حقدهم الدَّفين هذا، ما زادنا إلا حُبَّاً لولي عهدنا، وتأييداً له، وشكراً وعرفاناً وامتناناً لجهوده من أجل كرامتنا، وعزة بلادنا، وحماية مقدساتنا، واستمرار قافلة خيرنا القاصدة.. ولهذا، ها نحن أولاء اليوم، لا أقول نجدد البيعة لولي عهدنا القوي بالله الأمين، فهي لازمة له في أعناقنا إلى الأبد إن شاء الله، بل نُذَكِّر العالم، لاسيَّما أولئك الحمقى أصحاب تلك البضاعة الخاسرة التي كل رأس مالها أحقاد وحسد ومعاداة للنجاح وعمالة للغرب، نُذَكِّرهم أننا نحتفي اليوم بذكرى بيعتنا الخامسة لولي عهدنا، مبتهلين إلى الله العلي القدير في هذه الأيام الطيبة المباركة، أن يبارك لنا في عمره وصحته وعافيته وجهده وذريته.. فموتوا بغيظكم أيها الحمقى المفلسين؛ أو ثوبوا إلى رشدكم إن شئتم.. ويبقى ولي عهدنا محمداً: فخر السعوديين الأتم، كما أكد أخي شبيه الريح.