عبدالرحمن الحبيب
كان الرابط الأفضل أداءً على فيسبوك في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 مقالة زائفة حول الآثار «المميتة» للقاح فيروس كورونا (فايننشيال تايمز). ديفيد داننغ من جامعة كورنيل الذي يدرس ظاهرة نشر الجهل يحذر من أن الإنترنت يساعد في هذا الانتشار؛ فهو المكان الذي يجد فيه كل شخص فرصته ليصبح خبير نفسه..
إيلون ماسك، صاحب الشخصية المثيرة وأغنى شخص بالعالم، استحوذ على موقع تويتر فاستحوذ الخبر على صدارة الأخبار العالمية، بسبب ما يمنحه ذلك من سيطرة على واحدة من أكثر منصات التواصل الاجتماعي تأثيرا. كيف سيكون تويتر مع إيلون ماسك؟ أصبح هذا السؤال من أبرز الأسئلة في الأيام الأولى من الاستحواذ. إيلون ماسك يريد إنقاذ تويتر من تراجعها المالي، ويريد إصلاحها، لكن إذا كان شراء تويتر ليس صعباً على أغنى رجل بالعالم فإن إصلاح تويتر يبدو عسيرا..
إلا أن الأساس في القضية المطروحة عالمياً ليس بشخصية إيلون ماسك المثيرة أو مدى التزامه بأخلاقيات النشر بل كيف يُمنح فرد واحد من رجال الأعمال كل هذا النفوذ لكي يحدد ما يسمح وما لا يسمح به، فهذه مهمة المؤسسات الرسمية وما تستند عليه من تشريعات مبنية على أسس قانونية ومهنية يدريها خبراء ومختصون..
ماسك ذكر أن تويتر «لا توفر ما يكفي من حرية التعبير» مما أثار مخاوف البعض بإيجاد حرية منفلتة مؤذية ومضللة تثير الكراهية، لكنه طمأن المتخوفين بوجود قيود يفرضها القانون على حرية التعبير، مؤكداً على مبدأ الشفافية خاصة عند حذف أي تغريدة ويقول: «علينا أن نكون شديدي الحذر قبل حذف التغريدات وحذف حسابات بعض المستخدمين نهائيا».. أما «في حال الشك، لتبقَ التغريدة موجودة».
«لكن السؤال الحقيقي البالغ 44 مليار دولار، حسب تعبير جيمي ساسكيند، هو: من يجب أن يحدد شروط النقاش عبر الإنترنت؟ إجابة ماسك هي الوضع الراهن: الشركات التجارية وقادتها». ساسكيند القانوني ومؤلف كتاب «الجمهورية الرقمية» (The Digital Republic) يشدد على أن الحكومات هي من نحتاج إلى حماية حرية التعبير، وليس إيلون ماسك.
شركات التواصل الاجتماعي تدعي بأنها لا تنشئ المحتوى الذي يظهر على منصاتها، هذا صحيح فهي مجرد وسيط، لكنها ترتب وتفرز وتنظم وتفرض رقابة وتحجب وتعزز.. بنقرة واحدة، يمكنها حظر أي مستخدم - حتى أقوى زعيم سياسي - من المنصة إلى الأبد. هل الكلام «حر» عندما يمكن خنقه بأهواء شركة تكنولوجيا دون أي استئناف أو رقابة؟ يتساءل ساسكيند.
لم تجد المجتمعات الغربية بعد إجابة نهائية لمسألة ما هو الكلام الذي يجب السماح به وما يجب حظره. كثيرًا ما يختلف الأشخاص العقلاء في ذلك، فكم من الوقت قضى ماسك في التفكير في هذه الفروق الدقيقة؟ وحتى لو كان باحثًا عميقاً في الفلسفة والقانون، فلماذا يُسمح له بفرض مفهومه علينا؟ هذا تساءل ساسكيند وبدوره يجيب: بأنه لا يصح بحكم كونه ثريًا جدًا، أن يتمتع الشخص بسلطة غير خاضعة للمساءلة لتحديد شروط النقاش الاجتماعي.. لا ينبغي استبدال القوة التجارية بالسلطة السياسية. يرى ساسكيند أنه من وجهة نظر ماسك، فإن قواعد حرية التعبير هي أصول مؤسسية يتم شراؤها وتداولها مثل أي سلعة أخرى.. سوق الأفكار هو حرفياً سوق.
أصحاب منصات التواصل الاجتماعي هدفهم الربح وهذا حقهم، ولكن هذا الحق سيميل بالضرورة لما يخدم الأرباح وقد يكون ضاراً، حتى لو أصر رجال الأعمال بالتزام منصاتهم بالمبادئ العامة التي تقيد حرية النشر لكيلا يكون مضللا. عندما يقرأ شخص معلومة مضللة وليس لديه معرفة بالموضوع، فهل يصدقها أم يكذبها؟ قد لا يمتلك الفرد أدوات البحث أو الوقت أو الكفاءة، فيكتفي بما يعتقده الآخرون. «عندما لا تمتلك معلومات كافية لحل مشكلة معينة، أو إذا كنت لا تريد أو ليس لديك الوقت الكافي لمعالجتها، فقد يكون من المنطقي تقليد الآخرين عن طريق إثبات اجتماعي». حسب الباحثان فينسنت هندريكس وبيلي هانسن في كتابهما «عواصف المعلومات».
النفوذ الهائل لشركات الكبرى (جوجل، فيسبوك، يوتيوب، تويتر) الذي اعتبره البعض أقوى من نفوذ الدول، أثار القلق لما تملكه من قوة احتكارية، ليس على المستوى الإعلامي وحسب بل أيضاً على المستوى الاقتصادي والمعرفي والسياسي، وتعديها على حقوق النشر والملكية الفكرية، فيما تواجه بعض منصات التواصل الاجتماعي اتهامات بالمساهمة في انتشار المعلومات المضللة وبتعزيز التطرف..
سيكون هناك اختلاف في تحديد المعايير المتعلقة بالتضليل عبر الإنترنت وخطابات الكراهية والتطرف والعنف والتدخل السياسي الأجنبي. ألم تقل المديرة المشاركة لمنظمة «فري برس» غير الحكومية جيسيكا غونزاليس، أن تحرير الإشراف على المحتوى: قد يؤدي إلى جعل المنصة أكثر إيذاءً». سيكون تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي صعبًا.
في كل الأحوال، من مصلحة كل الدول وضع قواعد واضحة تنظم عمل منصات الإنترنت لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي.. وهناك شبه اتفاق عالمي بأن الوقت قد حان لوضع قواعد دولية واضحة للإنترنت، بل يدعو البعض لإنشاء منظمة إنترنت عالمية على غرار منظمة الصحة العالمية.. إلا أن التحرك الدولي بطيء مقابل سرعة حركة شركات التكنولوجيا الكبرى..