عبده الأسمري
أدمن «الشعر» وامتهن «الأدب» فأتقن «الثقافة» وأجاد «الحصافة».. استل قلمه من «غمد» الحداثة ليرسم «خارطة» إبداعية تجاوزت «عقبات» الاعتيادية.
احتاط بسطوة بلاغية «عتية» وحظوة شعرية «عاتية» قاوم من خلالهما «جفوة» التشدد.. وانتصر بها على «جفاء» التوجس..
مارس عشقه الأدبي باختيال للهدف ومضى فيه بامتثال للنص.. مجهزاً معاني «الفرح» في مراسم «القصائد» مجتازاً عوائق «النقاش» في مواسم الاختلاف..
صقلته «فطرته» القروية فكان «البسيط» الهارب من «ضجيج» الاحتفاء.. وأمتعته «مهنته» الهندسية فظل «الموظف» المتشبث بمعاني الانتماء..
بين تلهف لإيجاد «الفارق» ولهفة لصناعة «الفرق» تمسك بموجبات «التأصيل» واستمسك بعزائم «الأصول» فكان «المعلم» المتوج في متون «التذكر» و»الأستاذ» المعروف في «شؤون» الفكر.
إنه الأديب والشاعر والكاتب الراحل علي الدميني رحمه الله أحد أبرز الشعراء ورواد الحداثة في السعودية والخليج.
بوجه جنوبي الملامح مع تقاسيم ودودة تشبه والده وتتشابه مع أخواله وجسد نحيل وقوام أنيق يعتمر البياض وفق هندام وطني يعتز به ويعكس نقاء داخله وشخصية هادئة الطباع مؤدبة الطبع وكاريزما يتقاطر منها ثبات القول وإثبات الحديث مع مفردات جزلة المعاني جزيلة النتائج ولهجة «جنوبية» في مجالس الأصدقاء ولغة «جهورية» في مناظرات الزملاء وعبارات فصيحة واعتبارات حصيفة يتوارد منها «جوهر» الدلائل ويعلو وسطها «ملخص» البراهين.. وجمل أدبية بالغة الأثر وكلمات ثقافية بليغة التأثير وبلاغة شعر ونباغة إنتاج قضى الدميني من عمره عقودًا وهو يطور الشعر ويبتكر النصوص وينهض بالوعي الشعري ويقوم بالسعي الفكري في منظومة «أديب» ملأ مكانه وعطر زمانه بسيرة تمثل جانباً للثناء وأنموذجاً للاستثناء في مجالات الكتابة والتحرير والتأليف شاعراً نهض بالأبيات وكاتباً اشتهر بالانفرادات ومؤلفاً امتاز بالدواودين..
في قرية «محضرة» الماكثة في قلب «الباحة» الزاهية بإنتاج الأدباء والباهية بزف العلماء ولد عام 1948 في نهار صيفي تعانقت فيه «أهازيج السراة» مع «أريج البساتين»..
انخطف الدميني طفلاً إلى قصص «الجدات» المروية وأصداء «الأناشيد» القروية في شروق مذهل التحف الضباب مستنشقاً عبير «الريحان» وأثير «الكادي» في مزارع أسرته وانجذب إلى «الشيم» في تعاضد الجيرة و»القيم» في نقاء السريرة.. ونشأ بين أب ملأ وجدانه بالوصاية وأم غمرت وجدانه بالتوصية فكبر بين قطبين من الوجاهة والتوجيه.
ركض الدميني صغيراً مع أقرانه يشدو بتراث المحاورات بين شعراء غامد وزهران مكملاً مساءاته بأحاديث عفوية اكتظت بفصل الخطاب وأصل الجواب أطلقها سراً في ميادين قريته وأعلنها جهراً أمام أعيان عشيرته.
راقب الدميني تضاريس «الكدح» في وجوه البسطاء مقتنصاً من «مغانم» القرية مواويل الترحيب بالمطر وتراتيل الاحتفاء بالسيل.. مولياً وجهة أحلامه شطر «مدرسته» العتيقة التي كتب على «سبوراتها» الخشبية أولى محاولات «النظم» وأول مبادرات «الانتظام» مكملاً «جنون» الكتابة بكتابة قصائد أدباء الأندلس وشعراء المهجر على صخور «القرى» الصماء بالطباشير البيضاء التي ظلت «شاهدة» على «عبث» طفولي ممتع ظل إرثاً من «الذكريات» و»ميراثاً» من الحكايات.
أنصت الدميني لصوت «البراءة» في نداءات «الرعاة» وصدى «البساطة» في صيحات «الحماة» فارتسمت في ذهنه «شواهد» الصفاء و»مشاهد» النقاء في «ركيزة» صواب باكر و»ارتكاز» جواب مبكر لأسئلة طفولية استعمرت عقله.
نهل من «وعاء» الفطرة فتعتقت روحه بمآثر «القرويين» وتشربت نفسه مناقب «الطيبين» فكبر وفي يمناه «قبضة» الانتصار وفي يسراه «تلويحة» الاعتبار..
حزم الدميني حقائبه للسفر ناوياً أكمال تعليمه أسوة بأبناء جيله تاركاً بين ثنايا قبيلته «عطر» النبوغ و»سطور» الذكرى وأكمل دراسته الجامعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، وحصل على شهادة في الهندسة الميكانيكية عام 1974. وعمل في أرامكو متنقلاً بين وظائف مختلفة لمدة 8 أعوام ثم انتقل للعمل بالبنك الأهلي التجاري عام 1984.
قرأ بتمعن في أدب عبدالله الفيصل وحمزة شحاتة وأحمد قنديل ومحمد حسن فقي ونازك الملائكة ونزار قباني وبدأ الدميني بتجارب واعدة في الشعر الحداثي خلال فترة الثمانينات الثرية واختير كعضو في إدارة النادي الأدبي بالرياض منذ عام 1978. وأشرف الدميني على ملحق (المربد) الثقافي الشهير بصحيفة اليوم، ومن ثم أسس مجلة (النص الجديد) الشهيرة الصادرة من الدمام.
امتهن كتابة المقال وألف عدة كتب وظل وجهاً مبدعاً في المحافل والأنشطة الثقافية وله عدة دواوين مثل رياح المواقع الصادر عام 1987 وبياض الأزمنة عام 1999 ومثلما نفتح الباب وديوان بأجنحتها تدق اجراس النافذة - 1999 وخرز الوقت - 2016 وإشراقات رعوية لجسد الماء عام - 2018 (مختارات شعرية) وأصدر روايتي «الغيمة الرصاصية «عام 1998 و- أيام في القاهرة وليال أخرى - 2006.
اشتهرت قصيدته (الخبت) التي صنفت كواحدة من أشهر القصائد عربياً.. وقد صدرت عدة قراءات ودراسات عن أعماله وإنتاجه.
انتقل علي الدميني إلى رحمة الله بعد صراع أشهر مع المرض وذلك يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر رمضان الجاري للعام 1443 الموافق 25 أبريل 2022 ونعاه الاصدقاء والزملاء والذين وصفوا رحيله بالمؤلم وفقده بالموجع وموته بالمفجع وتناقلت الأوساط الاجتماعية والوسائط التقنية النبأ وكتب العديد من الوجهاء والمثقفين رسائل عزاء بحبر الفقد وجبر السلوان.
رحل الدميني بعد رحلة مع القلم والورق وارتحال بين الكتب والمعاجم ومراحل من الكفاح والإصلاح.. ترجل «الفارس» الأدبي من على «صهوة» الإمتاع تاركاً بين تلامذته «فحوى» الأستاذية ووسط رفاقه «محتوى» الزمالة.. مورثاً لأحبابه ومحبيه غنائم «المعرفة» ومغانم «الأدب» وكنوز «المعارف»..
علي الدميني الشاعر الباهر المقيم في قوائم «المؤثرين» والأديب المبهر الماكث في مقامات» المبدعين.