د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يحلَّ عيد الفطر المبارك، ونحن في حالة اشتياق كبرى، ونحمل معنا نتاج «الصوم» المجزئ بإذن الله؛ ويأتي العيد تلك الشعيرة التي تُؤدى لها الصلوات وتتوشحها بتسبيح دافئ {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة 185)، ويأتي العيدُ ونحن لا نخطئ طريقنا نحو أثير الذاكرة لنمتاح عن الأعياد تلو الأعياد فنرسل لشاعرنا المتنبي أنباءً عن حال العيد الذي تساءل حوله منذ عقود عندما قال:
«عيد بأية حال عُدتَ يا عيدُ....»
فأعيادنا بخير عادت وتعود بشعور مدهش متجدِّد، وبلادنا العظيمة في العيد أحلى وأبهى؛ وهنا في بلادنا عيد مختلف أشعلتْ ومضاته حضارتنا الجديدة؛ وحضورنا العالم، واندماجنا مع العالم في تشكيلات تنموية عديدة أعادت صياغتها العلامة السعودية الجديدة فانسكبت الإيجابية بما يكفي لزراعة الصحارى بالأعياد ...
وما فتئت أفراحنا تتكاثر في أزمنة العيد وترتاد أرجاءنا، حيث تظهر في العيد اللغة السامية التي تركِّز على إيقاظ مقومات الخير في كل الأشياء واستزراع المودة والتآخي؛ ونحن كذلك فإننا نشتاق إلى النهايات الجميلة في العيد التي تفضي بِنَا إلى أن تصبح القيم الأخلاقية المتكاملة مسترادنا، وحتماً فالعيد مؤتمر للمسلمين كافة ينتمون إليه وهم في ديارهم، ولقد نبتتْ أمامي حكايات العيد فرأيته إحساساً عالياً بالامتنان إلى الله بأن وهبنا شهر رمضان وقضاء أوقاتنا معه، وإحساس آخر بجمال الموجودات في اللباس والاستقبال والضيافة التي يتشققُ فيها الكرم العربي، وإحساس عميق إيجابي بالحياة وهيمنة المحبة على أطواق الناس وفضاءاتهم؛ ثم إن حزماً من الإلهام في العيد تطرّزُها المعايدة وعباراتها، وطقوسها المجتمعية؛ فما زال هناك كتاب محبة تحمله الرفقة الطيِّبة لبناء صروح أسرية للعيد تبقى وتتبرعم وتنادي جيلاً بعد جيل لتوقيع عقود الشراكة مع الفرح؛ ولصياغة اتفاقيات الاستمرار والإيمان العميق بالهدف والنتيجة، فالعيد لا تكفيه قصائد المتنبي وتساؤلاته، إنما الاحتفاء به يلزمه جهد من تخطيط ومواثيق ونظام وتنظيم، فالأعياد العائلية القائمة الممتدة ليست عشباً مفاجئاً نبت على المنحدرات! وليست خطوات تبددتْ على كثبان الرمال! بل صناعة للدائرة وتحديد قطرها وأوتارها ومن ثم إشعال القناديل حولها ...
فالعيد أثر وتأثير؛ وصناعة الفرح بالعيد صناعة لكل منا لتجتمع في النهاية دائرتنا الواسعة فنحتوي الأعياد في أعماقنا لتسكن وتتمكن إلى الأبد!
بوح الختام،،
وما زال أشخاص هم الأعياد ذاتها، يورِّقون في أعماقنا، ودَّعتهم الحياة الدنيا؛ فأصبحت الكراسي منهم فارغة فكانت بهجة العيد في الذكريات عنهم وفي امتثال منهجهم وفعلهم الوارف المغدق الجميل ...
.. وبين المتنبي وسعيد عقل يُحتَضَن العيدُ في وجدان الناس وتدوّن فلسفة العيد في العقول!
(عيد بأية حال عُدتَ يا عيدُ؟!)
(والعيد يملأ أضلعي عيدًا)