عطية محمد عطية عقيلان
نتفاوت في فهمنا واستيعابنا والحكم لم يدُر حولنا، ويعتمد تحليلنا على حصيلتنا العلمية وقراءتنا وقدرتنا العقلية ودرجة ذكائنا وخبرتنا، وكما خلق الله البشر مختلفين في الشكل واللون وحتى الطباع، كذلك العقول ومدى استيعابها وفهمها وربطها للأحداث، لذا تختلف قناعتنا ورؤيتنا وحكمنا على الأشياء وهذا اختلاف طبيعي بين البشر، إلا إذا كان يمس الثوابت الدينية والوطنية والقيم المتعارف عليها، فهي لا تخضع للهوى ووجهة النظر والقدرة الاستيعابية، وهذا ما جعل الإعلام ومختلف منصات التواصل الاجتماعي تقوم بتسخير إمكانياتها وقدراتها الإنتاجية كافة للوصول إلى الناس ومحاولة توجيههم لتبني قناعات معينة، فظهر ما يسمى «بالإعلام الموجه» أي إن أهدافه محددة لتوجيه الناس لتبني أحكام وآراء محددة تتوافق مع متطلباتهم للتأثير عليهم، ومع التسارع التكنولوجي والقدرة «الخوارزمية» لتحليل سلوك الأفراد وما يؤثر عليهم، تطورت الأدوات المستخدمة لهذه الوسائل وأصبحت أكثر قدرة على التأثير المطلوب، وظهر من يتبنى أفكارهم ويدافع عنهم «بالوكالة» من أجل تحقيق أهدافهم سواء كان الشخص يعلم بذلك بقصد أو بدون قصد، فكما أن الحروب بالوكالة تديرها الدول وقد يكون كثير من المحاربين المؤثرين ميدانياً لا يعون ذلك وأنهم يخدمون أهدافاً لا تراعي مصالحهم وحياتهم ويؤدون حرباً بالوكالة عن الآخرين.
علماً أن «العقول بالوكالة» هي أسوأ شيء يمكن أن نقوم به ويعود بالضرر الجسيم على أنفسنا ومجتمعاتنا، ويؤدي إلى تأجيج الاختلافات وسوء الظن والاحتقان بين أفراده، وبدون أن نعلم غالبا نقوم بهذا الدور ونستميت في إثبات وجهة نظرنا التي نعتقدها، ولكنها نتيجة توجيه متعمد لنا وأثرت بنا لنقوم بدور الآخرين بالوكالة، وعقول الوكالة تذكرني بالمقولة الشعبية التي تلخص ذلك «اضرب بعصا غيرك» وهي تعطي المعنى نفسه، وهي استغلال الآخرين بتنفيذ ما تريد وليس مطلوباً منك أن تقوله أو تقوم به، بل ابحث عمن يؤدي هذه المهمة ويتحمل عواقبها كافة لأنه تم استغلاله، ليقوم به بالوكالة عن هذا أو ذاك، وقد نقع في هذا المطب جميعنا ونتبنى رأياً أو حكماً يؤدي إلى خلافات أو قطيعة، ونحن لا ناقة لنا أو جمل فيها، ولكننا تبنينا وجهة نظر معينة وتأثرنا بها، وأصبحت قراراتنا وأحكامنا تنفذ مبدأ «عقول بالوكالة»، ولهذا تحتاج إلى تفعيل التروي والفهم قبل تبني أي موقف، وتترجم ذلك مقولة الممثل آل بتشينوا «لا تحاسبني على ما يصلك عني، حاسبني فقط على ما تراه مني وتسمعه بلساني»، وهذا أفضل تطبيق لعدم تحويل عقولنا بالوكالة للتأثر بما يصلنا من قول أو رأي أو حكاية، ولن يعيبنا عند حدوث سوء فهم أو وصول خبر أن نسأل عن صحته أو نطلب تفسيرًا لما حصل، الخلاصة أن نحصن أنفسنا بأن لا تكون «عقولنا بالوكالة» وتتبنى ما يريده الآخرون، لأنها ستكون حتماً ليس في صالحنا سواء على المستوى الفردي أو الوطن.