يعد مسجد شيرامان أول مسجد أسس في شبه القارة الهندية في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تحت رعاية الصحابي الجليل مالك بن دينار رضي الله عنه وذلك إثر اعتناق ملك ولاية كيرالا الملك شيرامان بالدين الإسلامي.
وهذا المسجد قد شهد أيضا لأول صلاة أقيمت في الهند ويقول المؤرخون إن هذا المسجد تم تأسيسه عام 629 م. وقد كان المسجد في البداية بني بشكل هندسة معمارية كيرالا التقليدية بنموذج هياكل هندوسية وبقي المسجد بشكله الأصلي إلى قرون ثم تعرض لتغيرات كثيرة ببعض أعمال إعادة البناء وترميمه على مر العصور.
رغم ذلك تم الحفاظ على بِركة كبيرة تقع قرب المسجد على شكلها الأصلي التي تشبه ببركة تقليدية بنيت قرب معابد الهندوس في العصور الماضية. ولهذا المسجد صفات يتميز بها من بقية المساجد في العالم. وثمة قصة عجيبة وحكايات غريبة وراء بناء هذا المسجد. وله مكانة تاريخية مرموقة في نشر الإسلام بين الهنود بشكل عام وبين الشعب المليباري بشكل خاص. وقد كان مركزا لدعاة الإسلام في أرض الهند تحت قيادة الصحابي الجليل مالك بن دينار رضي الله عنه.
ويبقى هذا المسجد أيقونة العلاقات الوطيدة بين الهند والمملكة منذ قديم الزمان. أخيرا لما قام رئيس الوزراء الهندي بزيارة المملكة العربية السعودية عام 2016م كانت هبته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود نموذجاً ذهبياً لهذا المسجد التاريخي بشكله القديم. وقد لعب المسجد دورا مهما في انتشار الدين الإسلام في جنوب الهند.
الملك شيرامان بيرومال
كان الملك شيرامان ملكا يحكم ولاية كيرالا بأكملها من مقر الحكم آنذاك منطقة كودونغالور. وكان اسمه الأصلي راجا شيكارا وارما وكان ملكا ثانيا من الإمبراطورية الشيرية الثانية, وكان ملكا ذا قبولية لدى الجميع. وإن أباه كانت له شهرة بين الشعب والملوك الآخرين من الولاية المجاورة وقد قام بتأسيس كثير من المعابد الهندوسية. وقد ولد في قرية تيرو وانجيكولام التي تقع في منطقة كودونغالور. وقد نشأ وترعرع في ساحات الهياكل الدينية وأمضى أيام طفولته جوار معابد الهندوس. وكذا أيضا استقر في تلك القرية بعد أن استولى على العرش. وكان عابدا مخلصا للإله «شيوا» وبذلك كان مكبا على عبادة شيوا في معظم أوقاته قبل أن يدخل إلى دين الحق.
إسلام الملك شيرامان بيرومال
يعرف الملك شيرامان أول شخص اعتنق الإسلام من ولاية كيرالا. وقد سافر إلى مكة المكرمة لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض رفقائه من الهند ثم اعتنق الإسلام وبدل اسمه بـ»تاج الدين».
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه معه إلى قريته حسب طلبه لإرسالهم معه لتعليم الدين الإسلامي لشعبه. لكن للأسف! أثناء طريق العودة إلى بلده وافته المنية عند منطقة صلالة في سلطنة عمان. وقد كتب وهو على سرير الموت بعض الرسائل إلى حكام المليبار يطلب فيها أن يسمحوا للمسلمين ببناء المسجد ونشر الإسلام وأوصى لمالك بن دينار وأصحابه بالوصول إلى كيرالا ونشر الدين بين الناس.
ويقال إنه قد رأى القمر في منامه بشكل انشقاقه خرقا للعادة فبحث عن سره جميع من يعرفه وعلمائه الفلكيين لكن لم يجد أي جواب حتى استفسر التجار العرب الذين كانوا يتبادلون الأخبار مع كلا الطرفين وكان لهم دور مهم في تبادل الثقافات من الهند إلى العرب والعكس فأجابوا أنه من معجزة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نبي أرسله الله إلى الدنيا لهداية البشر. وبعد أن سمع الملك عن النبي صلى الله عليه وسلم قرر أن يزوره وسافر مع بعض رفقائه إلى مكة المكرمة على طريق بحري. ولما التقى مع النبي صلى الله عليه وسلم اعتنق دين الحق المبين.
المسجد في يومنا هذا
يشهد المسجد عديدا من الحفلات الدينية والتقليدية في ساحته العظيمة ويعد أيضا احدى المناطق السياحية في ولاية كيرالا. ويزوره الجميع من مختلف الأديان ومن داخل الهند وخارجها لزيارة المسجد لأن له مكانة تاريخية ودينية مرموقة. وهناك مصابيح زيتية مشهورة مستخدمة منذ قديم الزمان وتبقى تلك العادة إلى يومنا هذا.
أجل! تشعل إدارة المسجد تلك المصابيح يوميا ويعد الحفاظ على تلك العادة رمزا للتسامح الديني بين أهل ولاية كيرالا وأداة على وحدتهم في الأمور الدينية والاجتماعية.
** **
جعفر بن أشرف المليباري - كاتب ومدون هندي - باحث في اللغة العربية وآدابها بالهند