أخذني أحد الأصدقاء لشمال الرياض، للعشاء في أحد مطاعمه الفاخرة. ومع أني لا أحب الأكل من المطاعم إلا إن تقطعت بي السُبُل... أو أصر علي صديق لا قِبل لقلبي به! وبينما نحن في شارع من تلك الشوارع الجميلة، في شمال الرياض التي لا مثيل لها، أو شبيه في حي السويدي! فإذا عيناي تسقطان على محل للقِطط. فقلت لصديقي: ما هذا المحل؟ فقال: إنه محل لأكل القطط، ومشروباتها والاعتناء بها! فقلت له: وهل القطط تعرف هذا المحل لتأتي إليه فتأكل وتشرب؟ فضحك وقال: لا لا أصحاب القطط هم الذين يأتون، ويشترون لقططهم ما لذ وطاب وبأغلى الأثمان! فقلت: هذا مستحيل، لأن الناس لها عقول! فقال: ما رأيك أن ندخل؟ وبعد تردد مني بسيط، قلت: ولِم لا؟! فدخلنا وإذا المحل، كأنه بهو إحدى فنادق دبي الفاخرة! وصور القطط معلقة على جدران المحل بإطارات ذهبية فخمة! والمحل مُزدحم، وأكثر زبائنه من النساء، وإن كان فيه شبابٌ أيضًا. أخذنا جولة سريعة على المعروضات، وبقربنا أحد الباعة، فسألته عن علبة صغيرة كحجم (بيالة) الشاهي، فقال: هذا مُعطِّر القطط! -وكم سعره؟ فقال: بستمئة وخمسين ريالاً فقط! فكاد أن يُغمى عليَّ! مُعطِّر (قطاوة) بستمئة وخمسين ريالاً، فتماسكت، وأظهرت أنني غير مبالٍ حتى لا يشمت بي من كان في المحل خصوصًا من النساء، والبنات اللاتي يزدحم بهن المحل، وتذكرت حينها قول الشاعر أبو ذؤيب الهذلي:
وتجلدي للشامتين أريهم أني
لريب الدهر لا أتضعضع
وهذا البيت قالت عنه العرب، إنه أفضل بيت قيل في الصبر على المصائب! تركنا قسم العناية بالقطط، واتجهنا إلى قسم مأكولات القطط ومشروباتهن! رأيت شيئًا كأنه خبزة ( الصامولي ) ولا أدري من أين جاء اسم الصامولي؟! وإن كان بعضهم قال: إنه أُخذ من الخباز الإفريقي: عيسى الصومالي الذي جاء إلى جدة قبل أكثر من خمسين سنة، وخبز العجينة بهذا الشكل. وبعضهم قال: إن أصلها إيطالي! وإن كنت أرجح أن هذا الخبز ابتكار خاص لعيسى الصومالي، وأن الطليان سرقوا ابتكاره! أعود إلى ذلك الشيء الذي يشبه خبزة الصامولي، ولكن لونها يقترب إلى التفاحي! وبداخلها لحم مشوي، ولها رائحة زكية كرائحة الليمون الأسود، أو القرنفل المطحون! فسألت البائع: ما هذا؟ وبكم؟ فقال: هذه شاورما للقطط، وهي من الخبز الفرنسي المحشو باللحم والمدهونة بالفيستاشو! وسعرها بخمسة وستين ريالاً! ولولا أن صديقي بجواري، لسقطت على الأرض! فقال أبو بقدونس: ما بك؟ فقلت: خمسة وستون ريالاً تغدي أسرة مسكينة، وتعشيها حبتين دجاج شواية مع الرز، ومعها صحن كنافة! أما صديقي، فقال: ما تمنيت أن أكون( قطًا) إلا في هذه اللحظة!
** **
- راشد محمد الشعلان
Rashedsh75@gmail.com