عبدالرحمن محمد العطوي:
غادر الدكتور إبراهيم التركي صحيفة الجزيرة بعد عقود قضاها في القسم الثقافي وإدارته لهذا القسم مديراً للتحرير تميزت خلالها الصحيفة ووضعت لها بصمة لا تضاهى في الثقافة، وكان مقال الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير عن هذه المغادرة مؤثراً معبراً حينما قال عنه: لم يكن يقدم مجلة ثقافية أسبوعية فقط، لكنه اهتم بالرواد من الأدباء والنقاد والشعراء والمثقفين وكتاب الرواية والقصة، فأصدر أعدادًا خاصة بهم من المجلة الثقافية، وألّف القسم الثقافي بالجزيرة بإشرافه ودأبه كتبًا عنهم، وكانت له مساهمات كبيرة خارج نشاط القسم الثقافي بإدارة بعض الندوات، وعمل بعض التحقيقات، وكتابة المقالات، وغيرها كثير مما كان موضع متابعته اليومية ونشاطه المستمر لتكون «الجزيرة» حاضرة ميدانيًا في كل نشاط يكرّس به نجاحاتها.
وكان مقال الدكتور إبراهيم التركي في مقاله الوداعي (الإمضاء الأخير.. أستودعُكم الله)، والذي سطر فيه من الوفاء لرجل الوفاء «أبوبشار» ما نصه:
أستاذي الكبير والأثير خالد بن حمد المالك رعاه الله
تحية طيبة
اتفقتُ مع سعادتكم على البقاء عامًا واحدًا يكتملُ بعد أيام، ولظروفي الخاصة فإنني أبعث لكم رغبتي (النهائية) غير القابلة للمراجعة أو التراجع بانتهاء عملي الذي طلبتُه مرارًا «مشافهةً وكتابةً» منذ عام 1995م أي قبل بدء الفترة الثانية لرئاستكم التي جعلتني أتوقفُ عن إعادة الطلب حرصًا على وضع إمكاناتي «العاديّة» للمشاركة بجانبكم في استعادة الجزيرة مكانها ومكانتها، وقد أمضيت - حتى اليوم - ما يزيد على سبعةٍ وثلاثين عامًا (2022- 1985م) في الجزيرة، والظنُّ أنني أطولُ المسؤولين الثقافيين الصحفيين مُكثًا، «...» ولم أفكرْ يومًا في الانضمام إلى سواها بالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها، كما لم أقبلْ أيَّ عرضٍ لتركها بالرغم من إغراءاتها، بل إنني اعتذرتُ عن أعمالٍ خاصةٍ ذات عائدٍ ماديٍ لأجلها إذ لا وقت لسواها، وكانت صحيفتي الأولى قبل الالتحاق بها، وظلت بيتي الإعلاميَّ الأجملَ، ولن أنسى ما اكتسبتُه من خبرةٍ وعلاقات زادها وزانها تشرفي بالعمل تحت قيادتكم قرابة ربع قرن ..الخ).
كان لهذين المقالين من الرمزين في هذه المؤسسة الصحفية العريقة دلالاتهما ففيهما من الوفاء ما لا يمكن وصفه وحقيقة واقولها وأكتبها وأشهد الله عليها أن رحلتي وأنا بعيد مكانياً عن هذا الصرح الكبير لمؤسسة صحفية عريقة تواصلي معهم عن بعد من خلال مكتب الصحيفة في تبوك لأكثر من عشرين عاماً مديراً لمكتبها في منطقة تبوك في ظل رئاسة أستاذنا وقدوتنا وموجهنا الأستاذ خالد المالك، نجد هذا الوفاء والتقدير لكل من يعمل ويجتهد لخدمة هذه الصحفية ومواقف عديدة عشتها في ذلك وأذكر منها كتابتي خطاباً لأبي بشار أذكر فيه ظروف زميل كان يعمل كمصور متعاون مع مكتب الصحيفة بتبوك وهو لديه وظيفة حكومية حيث توفاه الله في حادث مروري، حيث وصلني خطاب مرفق به شيك بمبلغ مالي كبير مجير لأسرة الزميل فقمت بتسليمه لهم، وهذا من وفاء هذه الصحيفة مع منسوبيها المفرغين والمتعاونين لا يستغرب لمسة الوفاء والوضوح التي جاءت في ثنايا مقال رئيس التحرير عن الزميل التركي وثنائه عليه بل هذا هو ديدن هذه الصحيفة والوفاء يقابل بالوفاء الذي جسده التركي وتأجيله الاستقالة أعواماً تقديراً ووفاءً لرئيس تحريرها حتى تمت الاستقالة وقبولها، تمنياتنا للدكتور إبراهيم التركي التوفيق في حياته وكلمات الشكر لا تفي في حق كل مخلص وفي صاحب إيثار وعباراتنا وكلماتنا المتواضعة لا تفي في التعبير عن مشاعرنا تجاه رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء على مواقفه ومشاعره وحرصه على استمرارية وتميز هذه المؤسسة الصحفية في وقت ومرحلة تحتاج فيه هذه السفينة لقائد ماهر وسط تلاطم الأمواج والسير بها إلى بر الأمان.