مها محمد الشريف
في الحقبة الماضية تضافرت كل الأصوات لصياغة رسالة التسامح والتعايش، رغم وجود التطرف وأدرك الجميع أن الصفحات المؤلفة من الضحايا الذين قضوا في ساحات الوغى تطوى بسرعة وتصبح في يد النسيان، فحيثما تتعادل كفة الخطر والغلبة تنعدم المطالبة بالثأر والانتقام، ولكن هذا بالضبط ما أشرع الأبواب أمام تقدم الأحزاب المتطرفة للترشح للرئاسة لتُغرق الغرب وتطلق العنان للجنون والقسوة بين البشر.
بعدما أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا لولاية ثانية وتغلبه على منافسته مرشحة حزب «التجمع الوطني» مارين لوبان، والتي حصلت، على حصة مرتفعة من الأصوات، حيث حصد ماكرون الوسطي الليبرالي 58.55 في المئة من الأصوات متقدماً على مرشحة التجمع الوطني التي حازت 41.45 في المئة من الأصوات. فهل تقلصت المساحة بين اليمين المتطرف من السلطة في فرنسا؟.
أعقب هذا الفوز مظاهرات مناهضة لماكرون في عدد من المدن، بما في ذلك باريس ورين وتولوز ونانت، ومن ثم أعلن المشاركون فيها رفضهم قبول النتيجة، كل ذلك في دائرة كبيرة من المشاحنات تسببت بكثير من الأضرار، ومهما يكن من أمر، فإن زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، تؤكد على نحو قاطع أن هذه الحملة الشرسة لا تحتمل أي معارضة أو مناقضة، فقد تولت الحكم من والدها جان ماري لوبان في عام 2011، وبعد أكثر من عقد من الزمان، تترشح للرئاسة الفرنسية ويأمل أنصارها أن تكون المرة الثالثة حاسمة، فهل اختيارها لما تفعله بالحياة يتم دائماً على أساس معطى معين، وله داعم أساسي بنسبة كبيرة من أطياف المجتمع لتحريك أهدافها والاستراتيجيات التي تشكل تسلسلاً ومنظومة بسلطة حاضرة في كل مكان وتسعى بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟
لا شك أن المشهد السياسي الجديد، انطلق من التسليم بسيادة الدولة التي رجحت كفة ماكرون بما أن له أهم الإنجازات في مواجهة جائحة كورونا باقتدار كأفضل الحكومات الأوروبية عدا أزمة السترات الصفراء والاحتجاجات، ولكن اليسار المتطرف واليمين المتطرف لهما وجهة نظر أخرى بأن هذه آخر ولاية لماكرون، وتقول بعض الصحف الغربية إن مارين لوبان، رغم نجاحها في تحسين صورتها، تبقى زعيمة استبدادية لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف المناهض للهجرة والمعادي للسامية والمسلمين، وقد قالت في وقت سابق «إن الحجاب لا يُمكن أن يُرى كعلامة على المعتقد الديني لشخص ما، بل هو «زي إسلامي».
فاليمين المتطرف يعتبر هاجساً يؤرق أوروبا ويهدد استقرارها ولو نجح في الفوز برئاسة فرنسا، فإن العدوى ستنتقل لدول الاتحاد الأوروبي، فالنسبة التي رشحت لوبان ليست ضئيلة بل تدعو للتساؤل، لأن حصتها الكبيرة من الأصوات لا تزال تمثل نصراً لحزبها، وأن هذا التعارض بين طرفي القول هو تعارض يشكل خاصية التفكير الموضوعي، وأكدت لمؤيديها إن الأفكار التي مثلتها في التجمع الوطني وصلت إلى آفاق جديدة، لكن من حسن حظ فرنسا أنها فشلت في النهاية، تماماً مثل والدها الذي سبقها، وقالوا «إنها المرة الثامنة التي يتعرض فيها اسم لوبان للهزيمة».
ويعتبر 13 مليون صوت عدداً له بنية سيكولوجية وتاريخية، وصَوْتُ الغاضبين هنا يجمعهم قاسم مشترك حول عدم تنفيذ الرئيس الفرنسي المشروع والحلول العملية التي تتناسب مع الخزانة المالية الفرنسية والوعود الذي وعد بها الشعب، أخسره مليونين من الأصوات، وهذا شكل أزمة سياسية لماكرون وأزمة أحزاب متعددة من اليسار المتطرف واليمين المتطرف، لها جماعات وأقاليم وناخبون، ينافس في الانتخابات بإرادة تتجاوز الفهم للبحث عن أدوات تستخدمها لفرض وجودها، فلكي لا يكون هناك شطط في استعمال السلطة يجب أن تنظم الأشياء وهذا ما أكده ماكرون في خطاب النصر الذي ألقاه: «يجب العثور على إجابة للغضب والخلافات التي دفعت العديد من مواطنينا للتصويت لليمين المتطرف». مضيفاً، «هذه ستكون مسؤوليتي ومسؤولية من حولي».
وتبقى المعركة النيابية القادمة في الانتخابات التي ستجري بعد أسابيع مفصلية لاختبار قدرة حكومة ماكرون على تسيير أمور فرنسا وعلاقاتها الدولية دون صداع من المعارضة التي تطمح لوبان لتشكيلها بالبرلمان من خلال حصد أكبر عدد من المقاعد لكي تتيح لها لعب هذا الدور.