مشعل الحارثي
ذكرى عزيزة تحل علينا في مثل هذه الأيام المباركة من شهر رمضان كل عام لتمثل علامة فارقة ونقلة نوعية في تاريخ ومسيرة المملكة العربية السعودية عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وفي لحظة تحول تاريخية وبموافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة الملكية وفي ليلة القدر المباركة ومن جوار بيت الله الحرام اختيار سمو الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد بعد أن أثبت كفاءة كبيرة فيما أُسند إليه من ملفات في بداية مسيرته العملية ليمثل هذا القرار أنفس عطايا العهد السلماني الذي أعطى الضوء والإذن لميلاد مرحلة جديدة حرك فيها سموه الساكنات وأطلق الإمكانات والمبادرات ورفع سقف الطموحات لمستقبل مشرق بالآمال والتطلعات وارتقاء سلم الحضارات بقوة على الرغم من كل التحديات وما يحيط بالبلاد وبالعالم من صراعات ومؤامرات ونكسات وتحولات.
هذا ولي العهد خير مؤمل
يسمو لفضل المكرمات نبيلا
لسليل سلمان نبايع طاعة
بالحق تصدع بكرة وأصيلا
حييت يا شهم الرجال ومجدهم
أذكيت في النشء الجديد فضولا
يا مؤمنًا ما هاب إلا ربه
وإليه لم تجد الخطوب سبيلا
ونحن نتفيأ ظلال هذا الأفق الرحيب والمناسبة الغالية ونقف اليوم لنجدد البيعة لسموه الكريم وجب أن نذكّر ببعض منجزات سموه المتوالية في سنواتها الست ولعل في مقدمتها دوره كوزير للدفاع في تطوير وتحديث هذه الوزارة برؤية حديثة، ثم قيادته من خلال مركز عمليات القوات الجوية عملية (عاصفة الحزم) تلبية لنداء الشرعية في اليمن، ثم إعلان سموه ومن خلال رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لتشكيل التحالف العسكري الإسلامي لـ (34) دولة إسلامية بقيادة السعودية لمحاربة الإرهاب، ثم جاءت خطوته الأولى التصحيحية المحلية في مشوار الألف ميل عند توليه أخطر الملفات وأصعبها ملف الحرب على الفساد المالي والإداري ومكافحته بكل الوسائل والتخلص من آثاره السلبية المعيقة للتنمية والتطوير بكل صوره من استغلال للنفوذ الوظيفي للكسب غير المشروع واستغلال العقود الحكومية واختلاس المال العام والرشوة وغسل الأموال وما واكب تلك الحملة من إصدار العديد من التشريعات واللوائح والأنظمة وإعادة الهيكلة لبعض الجهات الرقابية وما حققته هذه الحملة في محاصرة الفساد وضربه بيدٍ من حديد بكل كفاءة واقتدار من مكاسب إيجابية كبيرة لتحقيق النزاهة ودعم التنمية والاقتصاد الوطني ولتقفز المملكة في مؤشر الفساد العالمي سبعة مراكز لتحتل المركز (51) من أصل (180) دولة، والمركز العاشر بين دول مجموعة العشرين طبقًا لتصنيف منظمة الشفافية الدولية.
ووسط ما يمر به العالم من تطورات ومتغيرات سريعة أصبحت أكبر من قدرة الأفراد على ملاحقتها واستيعابها وما نتج عنها من تشوش في الأفكار واختلاط الرؤى وتفشي الفوضى السياسية والفكرية والأخلاقية حتى افتقدت الكثير من الدول مسارها وطريقها الصحيح نحو السلامة والنجاة والتنمية والاستقرار جاءت رؤية المملكة الاقتصادية الشاملة 2030 وما ينبثق عنها من برامج ومشروعات ضخمة لمهندسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومرتكزاتها الأساسية في التخطيط والشفافية والحوكمة وما سبقها من برنامج التحول الوطني 2020 كأحد معطيات العهد السلماني بما تحمله من تفاؤل وأمل وحكمة وبصيرة وقوة وعزم أكيد على ضرورة تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل وتحقيق نهضة تنموية شاملة لا ترتبط بالنفط صعودًا وهبوطًا والاتكاء على اقتصاد وطني متين، وإشراك القطاع الخاص في عمليات التطوير وخلق نمو مستدام، والتي منذ إعلانها وهي حديث العالم الذي انبهر بما تحمله من مضامين ومرتكزات وما تتميز به من شفافية ووضوح وأداء مرحلي وما أحدثته من تغيرات اجتماعية مذهلة في المجتمع السعودي وتصحيح الكثير من الأخطاء التي كانت تقف عائقًا لتنمية الوطن، وكان من نتاج تلك الرؤية الطموحة بناء الشراكات الاقتصادية السعودية مع عددٍ من الدول لدعم روافد الاقتصاد الوطني، وتحسين كفاءة الإنفاق والتوازن المالي، وتنويع مصادر الاستثمار، وطرح أسهم أرامكو للاكتتاب فاحتلت بذلك المركز الأول في العالم كأكبر شركة للطاقة، وإطلاق أكبر صندوق سيادي في العالم، وتأسيس الكثير من المشروعات العملاقة في مدينة نيوم والقدية وجزر البحر الأحمر التي ستغير وجه المملكة وتقودها إلى مزيدٍ من التقدم والتطور والنماء.
كما تعمل الرؤية على تعزيز المكانة الدينية للمملكة ومضاعفة الاهتمام بالأماكن المقدسة لاستيعاب أكبر عددٍ من قاصديها وسط أرقى الخدمات والتسهيلات، والعمل على تخفيض نسبة البطالة، وتحقيق مجتمع حيوي فعّال، وتعزيز شراكة المرأة في التنمية ومشاركتها في كل مناحي العمل، والاهتمام بتحسين البيئة وجودة الحياة، ورفع نسبة تملك المواطنين للمساكن، وتوطين الصناعات العسكرية، ودعم الرياضة والرياضيين واستقطاب المملكة لأقوى المنافسات الرياضية العالمية، والاهتمام بالسياحة والترفيه والثقافة والآثار والمتاحف كروافد وطنية مهمة واعدة بالخير على البلاد والعباد.
ولا ننسى لسموه تلك الوقفة الصارمة وبكل شجاعة وحزم وجسارة ضد التشدد الديني والإرهاب والتوجهات المتطرفة من الظلاميين والمأجورين والحاقدين والطامعين ومن يقوم بتمويل ومساندة أعمالهم في الداخل والخارج.
وكففت كيد الحاقدين بحزمكم
لم يغنهم ما يوغرون فتيلا
ولقد حملت بما تراه سيدي
عهدًا جديدًا بالوعود جزيلا
زالت هموم الشرق عنا وانتهى
هم العروبة كابدته طويلا
المجد بعض تراثكم يا سيدي
ما ضل جيل يقتفيك سبيلا
وبتوفيق من الله وبفضل هذه الجهود المتواصلة حصدت المملكة تقدمًا كبيرًا في مؤشرات التنافسية والتصنيفات العالمية على مستوى عددٍ من القطاعات الحكومية والأفراد لتؤكد مدى تقدم المملكة في الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في مجالات الإسكان والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، وتيسير المعاملات الإلكترونية وحوكمة الخدمات والتعامل مع جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بكل حكمة وكفاءة وحسن تخطيط وإدارة منقطعة النظير.
أما في جانبها الدولي فقد استطاعت المملكة أن تعزز من حضورها البارز إقليميًا ودوليًا وأن تزاحم الكبار على مقاعد القمة من خلال إنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية والإنسانية ومساهمتها الفاعلة في خلق التوازنات واحترام الالتزامات من منطلق قيمها الإسلامية ومبادئها الأصيلة ونهجها الواضح الشفاف فمضت بكل ثقة في مسيرتها ووثباتها المباركة محلقة بأجنحة التفوق والتميز لتتقدم الصفوف وتعانق الشموخ فكان لها مكانها البارز ودورها المؤثر وحضورها المشع في قمة العشرين للدول الكبرى على مستوى دول العالم، ثم نجاحها الكبير والباهر في استضافتها ورئاستها لاجتماعات قمة قادة مجموعة العشرين بالرياض 2020 وسط جائحة كورونا وفي قمة تاريخية إلكترونية استثنائية عكست الدور المحوري والمهم للمملكة في المنطقة والعالم وأنها قادمة بروح فتية متجددة.
أنت القمر من بينهم فوق الأشفاق
ونشوفهم حولك نجوم مطله
في قمة العشرين تسعى بميثاق
يم الثرياء والجدي في محله
في وسطهم ثابت سنا المجد براق
أنت الحكيم أيضا دواء كل عله
حتى بلبسك تختلف بين الأرناق
حاكم وتحكم كل كايد تحله
من مدرسة سلمان والشوق دفاق
هو الزعيم وسيفنا اللي نسله
فهذا هو محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الشاب الطموح الذي عرفناه يخطط وينفذ برؤية مستقبلية مشرقة المحفز على الإبداع، والمحاور البارع صاحب القيادة الواعية والمبادرات الخيرة التي يأتي على رأسها مؤسسة (مسك الخيرية) بمنجزاتها الكبيرة الهادفة إلى دعم وتطوير المشروعات الناشئة للشباب السعودي وتطويرهم وتشجيعهم على التميز والإبداع.
هذا هو محمد بن سلمان الذي يقف وراء هذه الوثبة الحضارية ومهندس الرؤية الوطنية التي تعانق التاريخ والأمجاد الذي فتح نوافذ الحلم مشرعة على مصراعيها للمستقبل وما نعيشه اليوم من حالة استنهاض على كل المستويات وبتوجيهات مستنيرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله مدرسته الأولى التي استقى منها سموه تجاربه القيادية والسياسية والإدارية والعزم والحسم والقدرة على تحمل المسؤولية ونهل مما يتحلى به حفظه الله من مرجعية وموسوعية في تاريخ الجزيرة وتحولات المملكة العربية السعودية، والذي لفت أنظار العالم بحضوره الدولي ليكون الشخصية الأكثر تأثيرًا عالميًا بصناعة التحالفات الدولية الضخمة وكل ما يصدر عنه من تصريحات أو أحاديث صحافية وإعلامية تتناقلها دول العالم.
إن ذكرى البيعة الخامسة لسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز تمثل مناسبة غالية تحمل معها عهدًا يتجدد ووعدًا يتأكد بترسيخ قيم الولاء والانتماء ومزيد العمل والجد والوفاء لوطن المجد والرفعة والرخاء.
الأبيات الشعرية للشاعر عبدالرحمن الجديع السفير السابق للمملكة بالسويد والنرويج وايسلندا والمغرب، والشاعر فهد العضيب.