د.شريف بن محمد الأتربي
قبل خمس سنوات وفي مثل هذه الأيام المباركة؛ اختارت الأسرة الحاكمة السعودية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد إلى جانب منصبه وزيرا للدفاع، ليكون رجل المرحلة الحالية والقادمة -بإذن الله-، ويكون عضدا لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-.
وقبل أن أبدأ مقالي هذا أود أن أذكر موقفا حدث لي شخصيا مع سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله- إبان توليه منصبه مستشارا خاصا لوالده الملك سلمان بن عبدالعزيز -وزير الدفاع آنذاك-، فقد جمعتني جلسة ودية فردية بسموه في قصر الشاطئ بجدة، وخلال هذه الجلسة تبادلنا أطراف الحديث، ومما ذكره خلالها سيدي رغبته في بناء مملكة قوية تعتمد على سواعد أبنائها، متنوعة المصادر، تتوافر فيها بيئة حياة تساعد كافة أبناء الوطن على الإبداع والتميز، والخروج من عباءة الدولة النفطية إلى الدولة الاقتصادية، ومن الدولة المستهلكة إلى الدولة المنتجة.
هذا على جانب؛ وعلى جانب آخر أشار لي سموه الكريم إلى كم التحديات التي تواجهها الدولة على كافة الأصعدة، وأن بناء الدولة الحديثة يتطلب تضافر الجهود، وأن يكون الجميع على قلب رجل واحد، وأن يأخذوا بيده لمصلحة البلاد وراحة العباد، ومن أجل ذلك لا بد أن يكون هناك خطة واضحة المعالم، محددة الأهداف، طموحة، وأن تشمل جميع قطاعات الدولة، وليس قطاعا بعينه، واستمرت جلستنا أكثر من ساعتين، انتهت بمائدة عشاء بسيطة بدون أي مراسم أو بروتكولات رسمية.
وبعد فترة من الزمن ليست طويلة، تولى سموه الكريم رئاسة الديوان الملكي وأثناء ذلك الوقت بدأت تتضح ملامح الخطة التي نوه إليها سموه آنفا؛ فظهر للملأ (رؤية المملكة 2030)، وبدأ العالم كله يتحدث عن هذه الرؤية، وكان السؤال المطروح داخليا وخارجيا: هل تستطيع المملكة تحقيق هذا الحلم؟ وكانت الإجابة أسرع من السؤال: نعم نستطيع، نعم نستطيع حين يكون لدى القائد إرادة للتغيير، ومهارة إدارة التغيير.
والفرق بين مصطلحي الإرادة والإدارة كبيرٌ جداً، فالإرادة: هي تصميم واع على أداء فعل معين، ويستلزم هدفا، ووسائل لتحقيق الهدف، وأما الإدارة فهي عملية التوجيه والتخطيط والتنسيق، ودعم العاملين وتشجيعهم، والرقابة على الموارد المادية والبشرية بهدف الوصول إلى أقصى النتائج بأفضل الطرق وأقل التكاليف، وتشتمل على خمس وظائف أساسية: التخطيط، والتنظيم، والتوظيف، والتوجيه، والرقابة. وإذا توافرت الإدارة والإرادة معا أدى ذلك إلى نجاح منقطع النظير.
وقد جمع سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بين إرادة التغيير وإدارة التغيير، حيث رأينا ورأى العالم كله كيف يدار التغيير ضمن (رؤية المملكة 2030) بحنكة ومهارة، وبقوة لا تثنيه عن تحقيق أهدافها -أهداف الوطن-، فأنتجت الفترة الماضية قفزات قوية للمملكة على كافة الأصعدة والمجالات، صرح بها سموه خلال لقاءاته المتلفزة، أو أحاديثه الصحفية.
وحتى لا يكون الكلام مرسلا، بل مدعما بشواهد وشهادات عالمية ومحلية، نجد أنه على صعيد الاقتصاد المحلي للمملكة، أكدت وكالة (فيتش) تصنيفها الائتماني للسعودية عند A، وعدلت نظرتها المستقبلية للسعودية إلى إيجابية. وتوقعت الوكالة أن تسجل المملكة العربية السعودية فوائض في الميزانية في (2022- 2023) لأول مرة منذ عام 2013، بما يعادل 6.7 في المائة و3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي.
وبالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة، فقد حاز صندوق الاستثمارات العامة على نتائج مرتفعة في التصنيف الائتماني لأول مرة من وكالتي (موديز) و(فيتش) للتصنيف الائتماني؛ ما يعكس الجدارة الائتمانية للصندوق، وجودة محفظته الاستثمارية، فقد منحت وكالة التصنيف الائتماني العالمية (موديز) الصندوق تصنيفًا مُصدرًا عند (A1)، وتصنيفًا ائتمانيًا حسب بطاقة التقييم الخاصة (بموديز) عند (Aa2)، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وقالت (موديز): «إن تصنيف PIF يعكس أساسيات ائتمان قوية جداً، وإنه يتمتع بمحفظة نوعية من الاستثمارات ذات توزيعات مستقرة». وأشارت إلى أن الصندوق نما ليصبح أحد الكيانات الأساسية لتنويع الاقتصاد السعودي. كما منحت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني صندوق الاستثمارات العامة تصنيف مُصدر طويل الأجل عند (A)، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
كما وصل تصنيف السعودية، إلى المرتبة الثانية عالميا بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية لعام (2021)، والصادر من المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية. وبنى التقرير بياناته، وفقا لمؤشر التنافسية العالمي ومن البيانات الداعمة المقدمة من البنك الدولي والاتحاد الدولي للاتصالات.
وتقدمت المملكة (20) درجة في المؤشر العام، مقارنة بالعام السابق، كما تقدمت (86) درجة في محور النظام البيئي الرقمي متصدرة دول مجموعة العشرين، وحققت المركز الثالث في محور القدرات الرقمية بين دول مجموعة العشرين.
ووفق مؤشر أمن الصحة العالمي GHS 2020، الذي يقيس قدرة الدول على منع الأوبئة والتخفيف من حدتها جاءت المملكة في المرتبة 47 من 195 دولة، والأولى عربيا والخامسة عشرة بين دول مجموعة العشرين.
وبالنسبة لجودة التعليم، احتلت المملكة المرتبة 54 من 140 دولة، ضمن مؤشر التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (2021)، وكانت المملكة في المرتبة 72 في تقرير (2017/ 2018)، حيث يتم احتساب درجات المؤشّر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو 12 فئة أساسية، هي: المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة، والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي، والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطور سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار.
وعلى مستوى التنمية البشرية، جاءت السعودية في المركز 40 ضمن 189 دولة شملها تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتاسعة بين دول العشرين مقابل المركز 36 في (2019).
وعلى صعيد حقوق المرأة، فقد تحققت إنجازات عدّة للمرأة السعودية، فرُفع الحظر عليها في قيادة السيارات، وزادت فرص عملها، وسُمح للمرأة بإجراء الخدمات الحكومية الخاصة بها بهدف تحسين حياتها من الناحية القانونية والاقتصادية، كما سُمح للمرأة بالمشاركة في المسابقات الرياضية والتحضير لها، بالإضافة إلى حضور مباريات كرة القدم في الملاعب.
كما صدر قانون الأحوال الشخصية، والذي يتعامل مع حقوق المرأة المتعددة في العلاقة الزوجية، مثل حقها في الإعالة من زوجها، بغض النظر عن حالتها المالية، وكذلك نفقتها والتي تشمل المأكل والمسكن والملبس والضروريات الأساسية وما تحدده اللوائح ذات الصلة.
أكد النظام على وجوب توثيق الحقائق المتعلقة بالأحوال الشخصية في المواعيد المخصصة لذلك، مثل الطلاق والعودة وتعويض الزوجة تعويضا عادلا في حال عدم التوثيق، كما حدد القانون الحد الأدنى لسن الزواج بـ18 سنة.
ومنح النظام المرأة الحق الكامل في فسخ عقد الزواج من جانب واحد في عدد من الحالات، ومكنها من توثيق الطلاق، حتى في حالة عدم موافقة الزوج، وشدد القانون على ضرورة مراعاة مصلحة الحفاظ على كيان الأسرة في حساب عدد الطلقات، وحفظ النظام حقوق الأبناء في حالة الطلاق والانفصال بين الزوجين.
أما على مستوى الاهتمام بذوي الإعاقة، فقد اهتمت المملكة برعايتهم بشكل يضمن حصولهم على حقوقهم المتصلة بالإعاقة ويعزز من الخدمات المقدمة لهم، عبر توفير سبل الوقاية والرعاية والتأهيل اللازمين، إذ عملت على بناء جدار وقاية من خلال مجموعة من الإجراءات الطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية والإعلامية والنظامية التي تهدف إلى منع الإصابة بالإعاقة، أو الحد منها واكتشافها في وقت مبكر والتقليل من الآثار المترتبة عليها.
وضمنت المملكة تقديم خدمات الرعاية الشاملة المقدمة لكل من هو بحاجة إلى الرعاية بحكم حالته الصحية ودرجة إعاقته أو بحكم وضعه الاجتماعي، وأسهمت في توظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية، لمساعدة ذوي الإعاقة على تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية، بهدف تمكينه من التوافق مع متطلبات بيئته الطبيعية والاجتماعية، وتنمية قدراتهم للاعتماد على أنفسهم وجعلهم أعضاء منتجين في المجتمع. وتشكل نسبة الأشخاص من ذوي الإعاقة 7.1 في المائة من إجمالي سكان المملكة.
وعلى مستوى مكافحة الفساد، سجلت المملكة عددا كبيرا من النجاحات على الصعيدين المحلي والدولي في مجال مكافحة الفساد، وذلك نتيجة لما توليه القيادة من اهتمام بهذا الجانب، الذي يترجم الدعم غير المحدود لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد «نزاهة» في سبيل تعزيز الجهود الرامية إلى حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وقد احتلت السعودية المرتبة 52 عالميا ضمن تقرير منظمة الشفافية الدولية في تحليلها لـ»مؤشرات الفساد» لعام (2021).
إن ما كتب هو قليل من كثير والذي يوضح أن التغيير لن يتم ما لم يكن هناك قيادة قادرة على إدارته وتحقيق أهدافه، وقد قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة أميرًا شابًا طموحًا يملك إرادة التغيير وقدرة على إدارته.
حفظ الله سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القائد الملهم المجدد المستنير، صاحب الرؤية والنظرة الثاقبة.
** **
- مستشار تعليم وتدريب إلكتروني