قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيام أُخَرَ) سورة البقرة: آية (185).
شهر رمضان فُرض صومه على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وفضل هذا الشهر كبير لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، كيف لا وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، وفي هذا دلالة على فضل صيام رمضان وقيامه، فصيام رمضان ركنٌ عظيمٌ، وصيامه من أسباب تكفير السّيئات والذنوب.
ولهذا الشهر أهمية ومكانة لا تخفى في التراث التاريخي السعودي، وخاصة المصادر الصحفية السعودية الحديثة. وعند بحثي في تاريخ «الصحافة السعودية في عهد الملك سعود بن عبد العزيز 1373هـ - 1384هـ/ 1953 - 1964م»؛ لمست الاهتمام الكبير الذي توليه الصحف لهذا الشهر الكريم، وسأتطرق في هذه المقالة لرمضان قديماً في الصحافة السعودية، وستكون صحيفة اليمامة أنموذجاً للصحف السعودية في تلك الفترة.
من المعروف أن الصحافة منذ القدم نبراساً يُشع، ومرآةً تعكس حياة الناس وتطلعاتهم، واهتماماتهم (الدينية، الثقافية، الاجتماعية)، ويظهر ذلك جلياً فيما تتطرق له الصحف المحلية بأقلام كتابها خاصةً في المواسم الدينية، وشهر رمضان المبارك من أهم المناسبات الدينية التي تتكرر في كل عام، ويحظى بالكثير من اهتمام وسائل الإعلام ومنها الصحف. فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة اليمامة في 6 رمضان، 1377هـ الموافق 26 مارس، 1958م رسالة دعوية وجهها الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى أمراء الأقاليم والقضاة ورؤساء الهيئات، وكان نص الرسالة ما يلي: «من سعود بن عبد العزيز إلى من يراه القضاة والعلماء والأمراء ورؤساء الهيئات وغيرهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد: فأنتم تفهمون بارك الله فيكم أن الناس ما لهم في أمر دينهم ودنياهم إلا الرجوع إلى ربهم والالتجاء إليه وعدم الغفلة عما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم... وقد فشت في الناس أمور كثيرة تسخط الله سبحانه وتسبب حلول النقم، فيجب على الجميع إنكارها، والأخذ على أيدي أهلها، خوفا عليهم وعلى المسلمين، وقياما بما أوجب الله على عباده. ومن هذه الأمور التهاون بالصلاة، والتخلف عنها في المساجد وهي عمود الدين، فالواجب الاهتمام بها وحث الناس على المحافظة عليها وتأديب من تخلف عنها.. وبالجملة فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله تعالى وطاعته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومساعدة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرتهم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى».
ونستظهر من الرسالة السابقة أهمية الصحافة السعودية ودورها في تلك الفترة؛ فقد كانت هي المصدر الأول والأساسي للمعلومة، ولنقل توجيهات ونصائح ولاة الأمر للشعب مواطنين ومقيمين، قبل نشأة الإذاعة والتلفزيون السعودي، وبدء البث بالمملكة العربية السعودية.
كما خصصت صحيفة اليمامة أركاناً، وأعمدةً خاصةً في إصداراتها الأسبوعية طوال الشهر الكريم، على سبيل المثال لا الحصر؛ ركن خاص بعنوان:» من أحاديث الصيام»؛ حيث تعرض فيه أهم المعارك الإسلامية الشهيرة في التاريخ مثل: «غزوة بدر» التي عُرضت بشكل تاريخي مختصر، وعمود خاص آخر بعنوان: «من عمالقة التاريخ»؛ استعرض شخصيات تاريخية مؤثرة في التاريخ الإسلامي، مثل: «شخصية هشام بن عبد الملك في العهد الأموي»، وذلك في شهر رمضان عام 1376هـ / 1957م.
ومن اللافت للنظر وجود الإعلانات الرمضانية في ذلك الوقت، فلا تخلو صحيفة اليمامة من هذه الإعلانات؛ كالإعلان الصادر في شهر رمضان من عام 1377هـ / 1958م، عن محلات عاشور بمكة، وجدة، والرياض، جاء فيه: «تقدم محلات عاشور ابتداءً من الخامس من شهر رمضان أقمشة العيد الجديدة في خمسين نوعاً وكل نوع ستة ألوان وغتر بوال سادة ومطرز ومطرزات إلى غير ذلك من الأقمشة المبتكرة بأسعار مغرية جداً»، وهذا الإعلان على بساطته وخلوه من التكلف ووسائل الجذب الإعلاني الحديثة، خير دليل على تطور الفكر التجاري رغم قلة الأدوات والإمكانيات.
كما شهدت صحيفة اليمامة سجالاً بين أحد الأدباء، ولجنة طباعة مصحف مكة لتصحيح الأخطاء المطبعية الواردة في المصحف الشريف؛ فقد نُشرت مقالة في شهر رمضان من عام 1377هـ / 1958م، بعنوان: «حول مصحف مكة»؛ كتبها الأديب إبراهيم بن محمد بن سيف أحد موظفي رئاسة القضاة في نجد يقول: «انه اطلع على نسخة من مصحف مكة المطبوع سنة 1369هـ / 1950م، والذي كتب أصله الاستاذ الشيخ محمد طاهر الكردي، وأشرف على تصحيح أصله لجنة من العلماء مكونة من الشيخ محمد عبد الظاهر أبي السمح - رحمه الله - والشيخ إبراهيم النوري، والشيخ محمد شطا، فلاحظ فيه ما يلي: أولاً: اختلاف ترتيب بعض الصفحات: (1): فصفحة (87) وضعت بعدها صفحة (92). و(2): صفحة (93) وضعت بعدها صفحة (90). ثانياً: نشأ عن اختلاف ترتيب الصفحات اختلاف في ترتيب الآيات: (1): آية (65) من سورة النساء جاءت بعدها آية (93). و(2) وآية (79) من سورة النساء جاءت بعدها آية (102)».
وتم اطلاع المسؤولين على المصحف المذكور، وتم الرد في حينها على الأديب بالآتي: «تم الاطلاع فظهر هذا الاختلاف ناشئ عن غلط في ترتيب اللوحات ومن المعروف أن الصفحات قد صبت في قوالب من الرصاص، أفرغتها لوحات قد نقشت فوقها الآيات القرآنية حسب الرسم الموضوع لها، ومع هذا فإننا نلفت نظر فضيلة الاستاذ العلامة الجليل الشيخ إبراهيم النوري المشرف على طبع هذا المصحف الكريم، خشية تكرر هذا الاختلاف. مقدمين للأديب الفاضل الشكر على تنبيهه واهتمامه بصيانة كتاب الله الكريم».
الجدير بالذكر أن صحيفة اليمامة تتوقف عن الصدور بعد شهر رمضان بمناسبة عيد الفطر السعيد، وتنوه إلى ذلك في أعدادها، فقد نشرت الصحيفة في عددها رقم (118)، وذلك يوم الأحد 24 رمضان من عام 1377هـ الموافق 13 أبريل من عام 1958م، خبر بعنوان «عيد سعيد»؛ جاء فيه: «بعد خمسة أيام، يستقبل العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها عيد الفطر المبارك. و»اليمامة» إذ تتقدم بتهنئتها إلى كل مسلم، تسأل الله تعالى أن يعيده على المسلمين بأحسن حال من الألفة والتضامن والاتحاد، هذا وستحتجب اليمامة في الأسبوع القادم لأن موعد صدورها يقع في أيام إجازة العيد».
وفي الختام، أوصي نفسي أولاً وزملائي المؤرخين والمؤرخات بالاهتمام بالكنوز الصحفية الموجودة بين طيات الصحف القديمة فهي كنز علمي لا يقدر بثمن، نظراً لتعدد إصدارات الصحف، والمجلات التي تصدر بشكل يومي، ويوجد في ثناياها الكثير من الحقائق التاريخية التي تصور لنا الحياة السعودية من كافة الجوانب الدينية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني