محمد بن عبدالله آل شملان
مدخل
قال الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -: «إنني أفخر بكل من يخدم الإسلام ويخدم المسلمين، وأعتز بهم، بل أخدمهم، وأساعدهم، وأؤيدهم».
قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله -: «ما يميز هذه البلاد هو حرص قادتها على الخير والتشجيع عليه».
قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان سمو ولي العهد - حفظه الله -: «كل من يتذوق طعم عمل الخير لن يتركه أبداً وسمو سيدي الملك سلمان زرع فينا حب عمل الخير».
العطاء في رمضان
جميلة هي أيام شهر رمضان ولياليه، لها أجواؤها الخاصة، العامرة بالإيمان والروحانية، نهيم بها جميعاً دون استثناء، فيها نشعر بحلاوة الإيمان والبذل، ونحس بدفء الأسرة التي يجتمع شملها تحت سقف واحد، وعلى مائدة واحدة قد لا تأتي الفرصة دائماً للاجتماع حوله، حيث جميعنا يسعى لمواكبة تسارع الحياة، الذي يشغل مساحة كبيرة من ساعات يومنا، تلك فرصة لنقوم بالاقتراب أكثر من أبنائنا وبناتنا.
في أيام شهر رمضان ولياليه تقترب القلوب من بعضها الآخر، وتزداد وتيرة العلاقات الإنسانية بهاء، بينما يرتفع منسوب البذل والعطاء لدى الجميع في شهر رمضان.
حيث شهر العطاء والسخاء والبذل والمودة، فيه يحس الإنسان بحاجات الآخرين ومعاناتهم ممن ضاقت بهم السبل، وصعبت عليهم الظروف، فتمتد إليهم الأيدي البيضاء بالمساعدة والأمل، فكلنا تقرب خطواته بشكل أكثر نحو عمل الخير، بغية مرضاة الله سبحانه تعالى، وكلنا يجتهد في العطاء والبذل، التزاماً بقول رسولنا الكريم محمد عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده».
في شهر الصوم، البذل متنوع، وله أمثلة كثيرة، بعضه يكون في الصدقات، التي تطفئ غضب الرب، والبعض الآخر يكون في العمل والجهد والصبر على المشقة والتعب، والبعض الآخر يكون في إعطاء الوقت والمال والجهد لمساعدة المساكين والفقراء، وللعطاء في رمضان حلاوة ومتعة، وعبادة لا تكون وفق شروط معينة أو بالإكراه، وإنما باقتناع ومحبة خالصة لوجه الله الكريم تبارك وتعالى اسمه، إيماناً بأن كثرة العطاء تزيد النعم.
وفي شهر رمضان كان رسولنا الصادق الأمين: «أجود من الريح المرسلة»، كما يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنه: «كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أجود بالخير من الريح المرسلة».
منصة إحسان
الحراك الخيري والإنساني الكبير الذي يشهده وطننا في هذا الشهر المبارك، ويلتفت إليه العالم كله بنظرات التقدير الإعجاب، يرسل إشارات إلهام من نوع مختلف يرتكز على الانتقال بالعمل الخيري والإنساني إلى أساليب عصرية ابتكارية تعظم نتائجه وتزيد من زخمه وتنمية آثاره وضمان استمراره، علاوة على توسيع دائرة قاعدة المساهمين فيه سواء من الأفراد أو المؤسسات، في نهج يثبت ثقافته بين أفراد المجتمع ككل.
هذه الأهداف النبيلة جميعاً كانت في مقدمة رؤية قيادتنا الرشيدة في إطلاقها «منصة إحسان»، كمبادرة نوعية، أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي أهميتها ودورها في ترسيخ مكانة المملكة السباقة عالمياً في إطلاق المبادرات النوعية ليس فقط في المجالات الاقتصادية والتطويرية، وإنما أيضاً في المجالات الإنسانية، فمنصة إحسان من شأنها في المقام الأول أن تدعم بشكل كبير المساهمة في التنمية المجتمعية.
المبادرة التي تعد خطوة فاعلة في تطبيق الرؤية السعودية 2030 لدعم وتطوير قطاع العمل الخيري كأداة تنموية للمجتمعات، تفتح أبواباً واسعة للتنمية هذا المجال، خصوصاً أنها بدأت بدعم بخمسين مليون ريال من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعشرين مليون ريال من سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتمتاز المنصة بأنها منتج إنساني خيري مبتكر سيتم صرف المبالغ على مستحقيها، كما أن هذه المنصة متاحة المساهمة فيها للشركات والأفراد جميعاً.
وقد وصل إجمالي التبرعات التي تلقتها المنصة الوطنية للعمل الخيري «إحسان» في يومها العشرين لأكثر من 1.871.911.546 ريالات بإجمالي عدد عمليات تجاوز 24.635.506 عمليات تبرع، استفاد منها 4.537.691 مستفيدا.
جودك أثر
عطاء كريم تقدَّم به خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين - حفظهما الله - لمبادرة جود الإسكان الخيرية لدعم الأسر المحتاجة منذ إطلاقه في عام 1441هـ، التي تتجدد في كل عام خلال شهر رمضان المبارك.
وقد أطلقت منصة جود الإسكان عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، حملتها الرمضانية لعام 1443هـ «جودك أثر»، التي تستهدف تمليك 60 ألف أسرة من الأسر الأشد حاجة منازلهم، وتضمنت الحملة العديد من الفعاليات التي استهدفت حث أصحاب العطاءات الخيرية على مد يد العون والمساعدة للأسر الباحثة عن الأمان السكني، وتقديم عطاءاتهم الخيرية عبر منصة «جود الإسكان».
وشهد الحفل الختامي للحملة الذي رعاه وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل، إغلاق 789 حالة سكنية للأسر الأشد حاجة، وذلك في إطار تحقيق مستهدفات برنامج الإسكان بالوصول إلى نسبة 70 في المائة للتملك السكني في عام 2030، كما تم إطلاق مخطط جود الذهبي الافتراضي المخصص للأسر الأشد حاجة بواقع 489 قطعة موزعة على 38 مربعاً سكنياً تم بيعها وإغلاق تبرعاتها بالكامل خلال 30 دقيقة من كبار المانحين وأصحاب العطاءات الخيرية.
وشهد الحفل أيضاً توقيع اتفاقية بين منصة جود الإسكان مع الهيئة العامة للأوقاف، حيث توفر الهيئة بموجبها 300 وحدة سكنية للأسر الأشد حاجة عبر منصة جود الإسكان.
برنامج الملك سلمان
وتسهم المبادرات التي تواصل المملكة تقديمها في شهر رمضان المبارك من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في تعزيز الأمن الغذائي للفئات الأكثر حاجة في العالم سواء من النساء والأطفال واللاجئين والنازحين وضحايا الكوارث والأزمات، وتأمين العديد من متطلباتهم الرئيسية الأخرى مثل الملابس والأدوية وغيرها من أشكال الدعم التي تقدم وفق آليات تضمن سرعة الوصول وعدالة التوزيع من دون تمييز أو عنصرية.
وهذا العام.. شكَّل برنامج «إنسان» الذي يبث على قناة السعودية الذي أطلقته هيئة الإذاعة والتلفزيون بالتعاون مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منصة إعلامية مهمة للعمل الخيري الخالص، لرصد جهود المملكة في مجال الإنسانية على مستوى العالم، الذي حاز على إعجاب الناس في رمضان، لقدرته على زرع الخير في قلوب متابعيه وأذهانهم.
وتشمل المبادرات مشروع السلال الغذائية الرمضانية ومشروع مشروع الإمداد المائي والإصحاح البيئي ومشروع البرامج الطبية التطوعية ومشروع تمكين الأسر زراعياً ومشروع إجراء عمليات العيون ومشروع جلسات غسيل الكلى ومشروع التطعيمات الأساسية للأطفال ومشروع كفالة الأيتام ومشروع حفر الآبار ومشروع عمليات القلب المفتوح والقسطرة ومشروع الجراحات المتخصصة ومشروع الأطراف الصناعية للمتضررين ومشروع الأجهزة الطبية ومشروع خيام الإيواء والإسكان، تمكين الشبان والشابات في المهن الحرفية.
وفتحت مبادرات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في شهر رمضان المبارك باب المساهمة للجميع بتوفيرها كافة وسائل المشاركة والتبرع المفتوحة، عبر منصة «ساهم» وشهدت منذ إطلاقها تفاعلاً واسعاً من الأفراد والمؤسسات، حيث لا يمر يوم إلا ويتم تسجيل تبرعات مليونية من رجال الأعمال والمؤسسات الحكومية والخاصة والمواطنين والمقيمين في المملكة.
الجمعيات الخيرية
اهتمت الجمعيات الخيرية في وطننا مع بداية شهر رمضان المبارك وتحقيقاً للرسالة الإنسانية المناطة بها, بالقيام بمجموعة من المبادرات والأنشطة التي تسهم في التكاتف الإنساني بين أبناء الوطن الواحد، وضمن الجهود الفاعلة للقطاع غير الربحي للفئات ذات الاحتياج المادي الأقل وانطلاقا من احترام حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار نفذت الجمعيات العديد من المبادرات الخاصة بشهر رمضان المبارك والموجهة للأسر المحتاجة، بالشراكة مع الفرق التطوعية.
ومن ضمنها برنامج تفطير الصائم، ومشروع السلة الغذائية الرمضانية المخصصة لتناسب احتياجات الأسر المسجلة بالجمعية، ومشروع هدية وكسوة العيد، ومشروع زكاة الفطر، ومشروع سقيا الماء، ومشروع العمرة الرمضانية، وغيرها من المشاريع.
وتتلقى الجمعيات الخيرية دعماً كبيراً من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين مما كان له بالغ الأثر في أدائها وعملها.
العطاءات الفردية
بدورهم عزَّز الموسرون وأفراد المجتمع من خلال مبادراتهم الشخصية التي جسدت حالة من الشعور الإنساني اتجاه بني البشر داخل الوطن وخارجه، وذلك بإخراج زكاة أموالهم في هذا الشهر الكريم، كما نشطوا في تقديم الصدقة إلى من يستحقها، من الأسر التي أصابتها الفاقة والحاجة وذلك، من خلال الثقات ممن لهم اطلاع بأحوال الناس، كالقضاة أو رؤساء المراكز أو أئمة المساجد أو من يكون له احتكاك مباشر مع أهالي الحي تمكنه من معرفة من يحتاج إلى الزكاة والصدقة، فيقوم بإعطائه مبلغ الزكاة أو الصدقة ليقوم هو بمعرفته بتوزيعها على المستحقين والمحتاجين.
وبحكم وجود الجمعيات والمؤسسات الخيرية الكثيرة في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، فإن جزءاً من الموسرين وأفراد المجتمع اتجهوا بمبادراتها وتبرعاتهم في شهر رمضان المبارك لها، لأنها باتت تقوم بأدوار مهمة في زمن اختلفت فيه أمور كثيرة، وأصبحت الصدقات والتبرعات تسير إلى أصحابها بوسائل مقننة، وتلك وسيلة مطلوبة وحيوية في هذا العصر.