خلق الله الإنسان وجعل ليله سباتاً ونهاره معاشاً، وجعل اختلاف الليل والنهار مسيّراً لخير الإنسان وتنظيم حياته على هذه البسيطة، وكل شيء في هذا الكون خلقه الله بقدر، فنومنا له ساعات معينة وأوقات مقدرة يجب التقيد بها حتى نتابع سير الحياة ونواكب تقدمها، لكن عدم أخذ قسط وافر من النوم خصوصاً خلال ساعات الليل قد يكون له تأثيرات سلبية على صحة الإنسان وزيادة إصابته بالأمراض.
أجريت عدة دراسات لتحديد تأثيرات قلة النوم على الإنسان وتبين أن قلة النوم تسبب زيادة خطورة الأمراض القلبية والوعائية، خاصة عند الناس الذين لديهم ارتفاع في معدل ضغط الدم.
إحدى هذه الدراسات كانت في أميركا، ونشرتها مجلة أميركية تسمى مجلة «ارتفاع الضغط»، حيث أجريت على 20 رجلاً و16 امرأة ليسوا مصابين بارتفاع الضغط أو أي مرض قلبي وعائي، وجرت مراقبة هؤلاء الأشخاص عبر شاشات خاصة مع حرمانهم من النوم خلال ساعات الليل، وقد أظهرت النتائج وجود زيادة ملحوظة في معدل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب خلال النهار لدى هؤلاء الأشخاص، ومن هنا استخلص العلماء نتيجة مفادها أن الحرمان من النوم يسبب الإصابة بمشكلات خطيرة في مراحل لاحقة من الحياة بسبب زيادة معدل ضغط الدم الذي يسبب توتراً في شرايين الجسم عامة، مما يقود إلى الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والفشل الكلوي، ومن هنا أوصى العلماء بأن يقضي الإنسان حوالي 8 ساعات على الأقل في النوم كل ليلة وذلك لتجنب حالات القلق والعصبية التي قد تسببها قلة الراحة والحرمان من النوم. وفي دراسة فرنسية تبين أن 28 - 41 % من الفرنسيين يعانون اضطراباً في النوم، وأوصت الدراسة بضرورة المتابعة الطبية وتناول الأدوية الحديثة المساعدة على النوم.
إذاً هناك نسبة لا بأس بها من الأشخاص الذين يحتاجون الاستعانة بالأدوية لتحقيق نوم هادئ مريح لمدة كافية.
ونذكر أن هناك أسباباً عديدة لقلة النوم أو ما يسمى اضطراب النوم، من أهمها الاضطرابات النفسية مثل الهوس والاكتئاب والقلق وحالة العتاهة (كبر السن)، كما أن سوء استعمال الأدوية له دور كبير في حدوث قلة النوم (مثل الفاليوم لفترة طويلة ثم الانقطاع عنه فجأة)، وتناول الكحول والانقطاع عنه، وهناك بعض الأدوية المنبهة مثل الكافيين والإمفيتامين (حبوب الكابتاغون)، وهناك الكثير من الأمراض العضوية مثل حالات الألم عامة كألم الأسنان وهناك التبول الليلي وأمراض البروستات وأمراض سوء التغذية، كما أن هناك أمراضاً خاصة تسبب اضطراب النوم مثل نوبات توقف النفس خلال النوم تجعل المريض يقلق ليلاً وينام نهاراً، كما أن حياتنا العصرية بما فيها من ضغوطات اقتصادية ومادية تزيد حالة القلق والأرق لدى الناس.
ومن الناحية الاجتماعية فإن قلة النوم لها تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية للإنسان، حيث يبتلى الإنسان بالنوم الخفي خلال النهار لتعويض الحرمان الحاصل من النوم خلال الليل، وهذا يسبب عدم التركيز في العمل أو في الدراسة مع زيادة حالة النرفزة والعصبية وعدم الانتباه خلال قيادة السيارة، مما يسبب المزيد من الحوادث المؤلمة. وأخيراً نقول إذا كانت قلة النوم تسبب الأمراض القلبية الوعائية وتقصر عمر الإنسان فإن النوم الجيد لساعات كافية خلال الليل قد يطيل عمر الإنسان وليس كما قالت أم كلثوم:
«فما أطال النوم عمرا
ولا قصر في الأعمار طول السهر».