د.عبدالله بن موسى الطاير
أعلنت بعثة إمارة ليختنشتاين الأوربية لدى الأمم المتحدة، عن مبادرة لتحسين أداء المنظمة الدولية، التي بدت هزيلة وغير محايدة في الأزمة الروسية الأوكرانية، لكن ما يبدو أنه إصلاح، يذهب إلى أبعد من النيات الطيبة في الإصلاح، وقد يودي بالمنظمة الدولية، وبتركيبة مجلس الأمن.
من المنتظر أن تصوّت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار إمارة ليختنشتاين المسمى «مبادرة حق النقض» الذي قدمته نيابة عن نحو 60 دولة يوم غد الثلاثاء 26 أبريل. ويدعو مشروع القرار المعنون «التفويض الدائم بعقد مناقشة للجمعية العامة عندما يتم استخدام حق النقض في مجلس الأمن»، إلى عقد اجتماع تلقائي لأعضاء الجمعية العامة، في كل مرة يتم فيها استخدام حق النقض من قبل أي من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي. وحدد مشروع القرار في محتواه الآليات التي ستعتبر قواعد إجراءات لتفعيل «مبادرة حق النقض». فماذا تريد هذه الإمارة الأوربية الصغيرة من مبادرتها؟
سبق وصرح مسؤولون غربيون كبار عن رغبتهم في تعليق أو إخراج روسيا من مجلس الأمن، ونظرا لأن قواعد الإجراءات الحالية لا توصي بآلية محددة لمثل هكذا رغبة، حيث أحكم تصميم مجلس الأمن فلا تتمكن دول دائمة العضوية من إزاحة إحداها من المجلس، وكان هذا من متطلبات حفظ الأمن والسلم العالميين فيما بعد الحرب العالمية الثانية. وليس تعليق أو شطب عضو دائم هو المعضلة في مجلس الأمن، بل إن أي تغيير أو إصلاح في أساليب عمل المجلس يتطلب موافقة 9 دول أعضاء على الأقل، شريطة عدم استخدام الفيتو من قبل الدول الخمس دائمة العضوية، وهو ما جعل عملية إصلاح مجلس الأمن متعذرة خلال العقود الماضية، ومكَّن للدول دائمة العضوية في استخدام هذا الحق وفقاً لمصالحها وحلفائها وليس من أجل ما أسس مجلس الأمن له.
ولأن ميثاق الأمم المتحدة تعمد عدم تحدد آلية لعزل عضو دائم في مجلس الأمن، فإنه في الوقت ذاته حدد آلية لإخراج دولة من الجمعية العامة للأمم المتحدة عن طريق التصويت بناءً على توصية مجلس الأمن؛ حيث تنص المادة 6 من الميثاق على أن «عضو» الأمم المتحدة «الذي يخالف باستمرار المبادئ الواردة في هذا الميثاق يجوز للجمعية العامة طرده من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن».
مشروع قرار إمارة ليختنشتاين فيما لو تم تبنيه غداً من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سيعطي أمريكا وبريطانيا وفرنسا ذريعة للتقدم لمجلس الأمن بتوصية لإخراج روسيا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبكل تأكيد سوف تعترض روسيا وتستخدم حق الفيتو وبذلك ينتقل القرار تلقائياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وبدون موافقة روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن، وإذا تم التصويت بتلك الوتيرة التي كانت عليها في تصويتين سابقين ضد روسيا فإنها ستحرم من عضوية الأمم المتحدة، وبالتالي ستخرج من مجلس الأمن.
طرد روسيا خارج المنظمة الدولية سيعطيها المبرر الكافي لاستخدام ترسانة أسلحتها النووية للمحافظة على وجودها، وبذلك يدخل العالم حقبة جديدة يعيد فيها بناء النظام العالمي لمن يبقي على قيد الحياة.
القيادة الدولية غير الرشيدة التي تتصرَّف في شؤون العالم بزعامة التكتل الليبرو-ديموقراطي ترتكب خطأ جسيماً بالتصويت على مشروع قرار إمارة ليختنشتاين، وخطأ مدمراً في حالة استخدامه لإخراج روسيا من الأمم المتحدة، ومن ثم من مجلس الأمن. سيدخل العالم حتى وإن لم تقم حرب عالمية نووية في فوضى مرجعية تتطلب إعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة وآليات عمل مجلس الأمن، وهو أمر لن يكون سهلاً ولا ميسورًا.