عبدالرحمن الحبيب
كتب البروفيسور جوليان زيليزر: بصفتي مؤرِّخًا أكاديميًا، لم أتوقّع أبدًا أن أجد نفسي في مؤتمر افتراضي مع دونالد ترامب. ولكن بعد ظهر أحد أيام الصيف الماضي - بعد يوم من إطلاق سي سبان لاستطلاع رأي المؤرِّخين الذين صنَّفوه أعلى قليلاً من فرانكلين بيرس وأندرو جونسون وجيمس بوكانان، كأسوأ الرؤساء التنفيذيين في بلدنا - ظهر في تطبيق زووم وأخبرنا حول الرئاسة الخامسة والأربعين من وجهة نظره. تحدث بهدوء، قال لنا: «كان لدينا بعض الأشخاص الرائعين؛ كان لدينا بعض الأشخاص غير الرائعين. هذا مفهوم.. هذا صحيح، على ما أعتقد، مع كل إدارة. لكن بشكل عام، حققنا نجاحًا هائلاً وهائلًا».
تناول المقال السابق الكتاب الثالث لسلسلة كتب حول «تقييم تاريخي أولي» للرؤساء الأمريكان، وكان عن ترامب بعد بوش وأوباما.. هنا سنعرض لأجواء لقاء المؤلّفين مع الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بما يسميه الصحفيون «مقابلة حصرية»، سردها زيليزر محرر الكتاب بعنوان «ما تعلمته عندما حاول ترامب تصحيح السجل» وسنعرض مقتطفات منه تمثِّل وجهة نظر محرر الكتاب..
يقول زيليزر: اتصل بي مساعد ترامب آنذاك جيسون ميللر ليقول إن الرئيس السابق يريد التحدث إلى المؤلفين المشاركين معي وأنا؛ وهو أمر لم يفعله جورج بوش ولا باراك أوباما. بالنسبة لشخص ادّعى عدم المبالاة بشأن طريقة نظرة الناس إليه في عالمنا، كان ترامب يقضي وقتًا طويلاً - أكثر من أي رئيس سابق آخر نعرفه - محاولاً التأثير على الروايات التي تُكتب عنه. لم نكن أنا وزملائي في التأليف الأشخاص الوحيدون الذين تواصل معهم؛ فوفقًا لأكسيوس، أجرى ترامب محادثات مع أكثر من 22 مؤلفًا، معظمهم من الصحفيين، كانوا يعملون على كتب تؤرِّخ رئاسته.
جلس الرئيس السابق على مكتب خشبي بنادي الغولف بدمينستر الذي يمتلكه بجانبه العلم الأمريكي. على مدار الثلاثين دقيقة الأولى ذكر ترامب موهبته التفاوضية التي لم تُقدَّر جيدًا في التعامل مع الاقتصاد، ووباء فيروس كورونا، وقادة الصين وكوريا الشمالية وروسيا. قال: «ليس هناك من كان أشد صرامة مني تجاه روسيا». فيما يتعلَّق بمنظمة حلف شمال الأطلسي، روى ترامب كيف أجبر دولًا حليفة أخرى على دفع مستحقات أعلى بعد عقود لم تدفع فيها نصيبها العادل. العديد من «نوادر» ترامب أعادها بطريقته التي يتحدث بها عن قدرته للقيام بأشياء لم يتمكّن أي رئيس آخر القيام بها. ادّعى أنه توصل إلى اتفاق مبدئي مع حكومة كوريا الجنوبية للمساهمة بشكل أكبر في الدفاع عن نفسها.. زعم أن الصفقة التاريخية، تم إفشالها بمجرد أن أصبح جو بايدن رئيسًا، بعد انتخابات 2020 التي «تم التلاعب بها وخسرها».
يقول زيليزر: حديثنا مع الرئيس السابق أكد انتقادات مشتركة، بأنه يفسر الرئاسة على أنها منتدى لإثبات براعته في إبرام الصفقات.. وأنه يسعى إلى الإطراء... كانت علامات الحيرة على وجوه زملائي بينما تستمر قصص ترامب. لكن سرعان ما اتضحت وجهة نظره: كان يسخر من الخبراء، وكانت لديه رسالة للمؤرِّخين الذين كانوا يكتبون المسودة الأولى لرئاسته، مفادها أن الخبراء ليسوا دائمًا يعرفون ما الذي يتحدثون عنه، على عكس الأشخاص المجتهدين الذين عاشوا بالفطرة السليمة، كما فعل. لكن على الرغم من انتقاداته اللاذعة تجاه الأكاديميين، فقد اتضح من اجتماعنا أن ترامب يهتم أحيانًا بالخبرة..
في سياق آخر يذكر زيليزر أنه خلال ساعة من اللقاء «لم يكن لدى ترامب الكثير من الأسئلة لنا».. كان هدفه إقناع المؤرِّخين بقصصه، يقول ترامب: «أنا أنظر إلى قائمتكم، إنها مجموعة رائعة من الناس، وأعتقد أنه بدلاً من أن أكون ناقداً، أود أن تسمعوني، وهو ما نقوم به الآن، وأنا أقدِّر ذلك.» استعدادًا للاجتماع، زوّدنا موظفوه بالفعل بوثائق تصوره كرئيس تقليدي يتمتع بسجل معتدل.
يقول المحرر يبدو أن ترامب يريد موافقة المؤرِّخين له، دون فهم كيفية جمع المؤرِّخين للأدلة أو إصدار الأحكام؛ فالهدف ليس ترتيب الرؤساء مثل استطلاعات سي سبان، بل تحليل وتفسير الرئاسات في آفاق زمنية أطول، لفهم التغييرات التي تحدث في السياسة العامة والمؤسسات وقواعد الحكم... على الرغم من أننا نتوق دائمًا إلى قراءة التواريخ الشفوية من قبل المشاركين والاستماع مباشرة من رئيس سابق فإن هذه الأنواع من التعليقات تلعب دورًا صغيرًا في التقييم.. ويمكن لترامب أن يساعد المؤرِّخين في تقييم رئاسته من خلال التعامل مع أسئلة عامة وإعداد مذكرات مدروسة وكاشفة وصادقة قد تقدّم للمؤرِّخين رؤى ثاقبة حول تطوره الشخصي والسياسي والقرارات الرئيسية التي اتخذت إبان إدارته.
في الخاتمة كتب زيليزر: «بعد الإجابة على أسئلتنا لمدة نصف ساعة، أنهى ترامب المحادثة بتوجيه الشكر إلينا، وقال: «آمل أن تكون الأفضل مبيعًا رقم 1!» لقد كانت بالتأكيد طريقة مبهجة للخاتمة، رغم أني لم أكن مقتنعًا تمامًا بأنه كان يقصد ذلك. بعد أيام قليلة من لقائنا، أعلن ترامب أنه سيتوقف عن إجراء المقابلات مع المؤلّفين، لأنهم كانوا «مضيعة للوقت». وأضاف: «هؤلاء الكتَّاب هم في الغالب أناس سيئون يكتبون ما يخطر ببالهم أو يناسب أجندتهم. لا علاقة له بالحقائق أو الواقع».